منبر الحـــــوار

 

بقلمً / صالح كرار
 salehkarrar@Gmail.com

2021/03/07

 

 
 
 


بسم الله الرحمن الرحيم

الشلوخ " الشيدلي "
 

 


لكل مجتمع عُرفه وعاداته وتقاليده في غالبها مبنية على حكمة ورعاية وحماية لجانب من ثوابت المجتمع وحرزا ووقاية لطارئ محتمل ، ومن هذه العادات الشلوخ في مجتمعنا ؛ والشلوخ يكثر في إفريقيا ويتنوع باختلاف أسبابه وأشكاله ومواضعه في الوجه والرأس وله دلالات طبية فالبعض يستخدمه للحماية من الرمد في العيون ولكن في الغالب يرمز للقبيلة ، ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الوشم بعموم اللفظ مما يعني كل أنواعه إلا أنها سنة الحياة كما أنبئ الله في قوله عز وجل :{ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَءَامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلْأَنْعَٰمِ وَلَءَامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}4/119 ، ففي كل مجتمع نوع من الوشم ؛ وما نراه اليوم في الغرب هو أسوء ما عرفته البشرية ؛ وهنا تتجلى عظمة الحمكة المعجزة عن نهي النبي صل الله عليه وسلم عن الوشم .

ويستخدم مجتمعنا الشلوخ على الخدود ويقرأها البعض قراءة حسابية " مياّ وحدا عشر" ؛ وتسمى شيدلي ويقول بعض العارفين بالتاريخ الصوفي أن المائة واحدى عشرة كانت وردا من أوراد الشيخ أبوالحسن الشاذلي ،ولعل تسمية شيدلي عندنا جاءت من الإسم ، ويفسرها البعض بأن الحروف الثلاث تعني " الله ربي ، ومحمد صل الله عليه وسلم نبي ، والإسلام ديني " ؛ وقد لا يعني الشلوخ اليوم إلا التخلف والبدائية لكنه في المجتمعات القديمة كان عنوانا مباشرا للتعريف بهوية حامل الوشم ولذلك كان موضع فخر واعتزاز حامله ؛ ومن مميزاته إذا احتدمت المعارك بالسيوف والحراب وأختلطت جثث الموتى يتميز أصحاب الشلوخ ؛ وكذا الجرحى منهم.

وقد رأينا قريبا في جيش منقستو أن المسلمين من جنود إثيوبيا كانوا يحاولون إيجاد ما يثبتون به أنهم مسلمون فكان أحدهم عند موته يحمل المصحف في يده أو يحمل ورقة كتب عليها أنا مسلم أو يرفع كل يده إلى السماء مع إشهار الصبابة بالشهادة ، فكان الناس يصلون عليهم ويدفنونهم .

واليوم نسمع لغطا كثيرا وضجة واسعة من قبل بعض منتسبي إقليم تقراي الإثيوبي المنكوب عن المشلخين البني عامر ويعنون طبعا كل المسلمين في إرتريا حيث الأغلب مجتمع واحد والشلوخ عادة راسخة فيه ؛ ويحمل تشهيرهم هذا أوجها كثيرة وقد تحدث عنها بعض الأخوة أو عن بعضها وفندوا تلك المزاعم في الوسائل الإجتماعية ، ولست هنا للدفاع ولا لتبين الحقائق لؤلئك الحاقدين ، وإنما أريد أن أذكَر أننا أصبحنا مثل الكرة في الملعب يتقاذفنا اللاعبون ، وهو حال وضعنا فيه النظام الإرتري قصدا وحربا وتجريما ، ولك أن تلاحظ :

- أن النظام الإرتري يسعى لإبادة هؤلاء " المشلخين " ، وقد جاءت التقارير الأولى التى تحدثت عن الأسرى من هؤلاء من قبل جبهة تقراي أنهم لم يدربوا قط وأنهم حُملوا إلى جبهة القتال مباشرة بعد تجنيدهم مجبرين ؛ والمعروف أن نسب الموت فيهم في كل حروب النظام الإرتري عجيبة ، وقد ذُكر من مصادر عدة أنه إبان معارك التحرير كانت مسدسات قادتهم الميدانيين تحصد رؤوس كل من يلاحظون فيه الوعي من المشلخين أثناء المعارك من الخلف ، وقد تبين أنهم قاتلوا في الكونغو الديمقراطية وفي جنوب السودان تارة مع وأخرى ضد حكومة السودان ، ويختار النظام الإرتري للتجنيد الإجباري أولئك الذين حرمهم من التعليم وسجنهم من كل رؤية عصرية مدنية وحصرهم على الرعي والزراعة مثل المخزن الذي تخرج منه ما شئت متى شئت ، يعيشون في حظيرة مقفولة بشكل دائم مثلهم مثل ما يرعون من الأنعام ، وهي بالتأكيد فتنة مخزونة لابد من يوم ستنفجر فيه ، ولعلمهم بهذه الحقيقة يسعون للتخلص منهم بكل وسيلة .

- النظام الإرتري هو الذي يريد أن يشهّر بهم فهو الذي يأمرهم بالقتل والنهب بلا تستر لزرع الحقد ضدهم في نفوس شعب تقراي الذي وقف مع المعارضة الإرترية ، وتحدث ملس زيناوي رئيس إثيوبيا السابق ، يوما عن البني عامر بما لم يقله عنها أهلها ، والنظام الإرتري له حقد دفين للبني عامر" وتعني كل المسلمين في إرتريا في قاموسه وتعريفه " عداء معروف وتاريخي ، مهما روجت الأذيال

المطبلة ، فهم يعيشون في اللجوء بعد أن حرمهم أرضهم ومن عاد منهم يعيشون في معسكرات تفضل عليها معسكرات اللجوء في الدول المجاورة وخاصة السودان الذي يؤوي عددا كبيرا ، وله حقد لشعب التقراي ولثورته لعله نابع من الحسد والغيرة والخوف من السطوة ، فهو يضرب الآن عصفورين بحجر واحد .

- وللمسلمين الإرتريين ولشعب تقراي عرف متوارث ضارب في التاريخ حيث مراعي الأبل والبقر ءامنة مطمئنة في تقراي وهي أهم ثرواتهم ، وهناك ثوابت عرفية قانون لحفظ الدماء والأموال يعرف به شعب تقراي من ثوابت العدالة الراسخة المتأصلة التاريخيا في هذا الشعب العريق .

- إن أؤلئك الذين يروجون من أبناء تقراي بالكراهية وزرع الأحقاد للمسلمين الإرتريين يلتقون مع الزمرة الحاكمة في إرتريا في نقاط كثيرة معلومة ؛ وهم قسمان قسم جاهل جهول يروج كل ما يسمع ويهذي دون وعي وفهم ودون أن يتحرى من المصادر وأهدافها فهؤلاء تسوقهم أموج العاطفة وترعى وتسرح بهم في الخيال والأوهام ، وقسم أخر يعرفون الحقائق ويعلمون ما وراء السيناريوهات المعروضة لكنهم لشئ في نفوسهم ولحفظ سياج الروابط بين المسيحيين في تقراي وأرتريا ولعلمهم أن نظام الشعبية منبوذ من الشعب الإرتري مسيحيين ومسلمين وأن الشعب الإرتري لا يقبل ولا يرضى ما يفعله النظام الإرتري في تقراي ؛ فبدلا من أن يقولوا الحقيقة ويعرفوا للشعب الإرتري موقفه وتعاطفه ؛ يروجون لزرع الأحقاد والثارات بينه وبين شعب تقراي والوعيد المبطن بالإنتقام ، ولكن معلوم أن ما يعني المسلمين المشلخين يعني المسيحيين الإرتريين الذين يستثنونهم فهو شعب واحد ، ولو كانت التفرقة العنصرية الطائفية تؤثر وتنجح في تفريق هذا الشعب لأستفاد منها النظام الحاكم في إرتريا ، فلا ينخدع شعبنا بمثل هذه الفتن لو يعلمون .

وأخيرا لنا أن نحتفظ بتوازننا ونقف على مسافة حيادية لا تضعضعها القيل والقال والأكاذيب التي تعج بها السوشال ميديا ، فلا نستنفش لوطنية جوفاء مصطنعة تروج لها أبواق النظام والحشد العاطفي لعداء شعب تقراي وثورته لا نعرف له مبرر ولا مسوغ ، فيجب أن لا نميل إلى الظلم والطغيان الذي تسوقنا إليه الإستفزازات من هنا وهناك فنتشفى على شعب تقراي المنكوب والمآسي المروعة التى يعيشها ، شعباً نحمل له كل الود والإحترام وتربطنا به أواصر عدة ولذا نأسى لما يلاقيه من مجازر ونهب وتنكيل وما يزيد حزننا أن جيشا ينسب إلى إرتريا متهم بالضلوع في تلك الجرائم وإن كنا لا نصدق ونتمنى أن لا يحدث ذلك ، وسنحتفظ للنظام الإرتري بحقنا في المحاسبة لما جرنا إليه من سياسات داخلية وخارجية بزراعة الفتن والعنصرية والتمييز ، وارتكابه المجازر والجرائم المشهودة ضد الإنسانية وبحق شعبنا البرئ المسلم ، وحروب جرنا إليها مع جيراننا في كل حدود لنا ، فضلا عما ارتكبته هذه الزمرة الدموية في شعبنا عبر مسيرة حكمها .

والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل

صالح كرار 7/3/2021 salehkarrar@Gmail.com