|
|
بقلم كتبه / عبد العزيز احمد إسماعيل
03.08.2020
|
|
|
|
|
|
|
|
|
مسيرة نضال .. قصة حياة
(الراحل المقيم الأستاذ/ موسى أرحو)
|
|
القصة تحكي عن رجل أفنى عمره كله للنضال من أجل الحرية
والاستقلال، و من أجل تعليم أبناء ارتريا ووحدة شعبها ..
الحكاية للرمز الوطني للراحل المقيم الأستاذ موسى أرحو
ناصر قبال.
انتقل إلى ربه في 21 يونيو الماضي تاركاً خلفه سجلاً
حافلاً، وتاريخا راسخاً، ومآثر مضيئة تكون مثلا يحتذى بها،
وذكرى في قلوبنا حية. رحم الله المناضل الاستاذ موسى أرحو
رحمة واسعة ورزقه الله جنة الفردوس الأعلى.
********************************
المولد والمنشأ:
ولد الأستاذ موسى في قرية " دمحنا " الواقعة في منطقة
قوحايتو، في أسرة محافظة ذات دين واحترام ومكانة، ولد في
وقت كانت فيه شعوب المنطقة تكافح ضد الاستعمار الأوربي،
وكانت تتهيأ للتحرر والانعتاق، وإرتريا حينها ترزح تحت
الاحتلال الايطالي. عاش طفولته في مرحلة تقلبات الاوضاع
السياسية في المنطقة والعالم، حيث عاصر تداعيات الحرب
العالمية الثانية وافرازاتها، وانحصار دول وظهور خريطة
جديدة بعد اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت دول الشرق الاوسط
وافريقيا الى دويلات. عاصر فقيدنا كل هذه التقلبات خاصة
نضال الشعوب حول ارتريا وما كان يستشعره الناس من نار تحت
الرماد ضد الإيطاليين والإنجليز. فشكلت كل هذه الأحداث
لديه إحساساً قوياً للنضال ضد المستعمر، والوقوف الى جانب
قضية الوطن، إضافة الى حبه لمساعدة الناس وقضاء حوائجهم.
رحلته التعليمية:
درس الأستاذ موسى القرآن وتعلم الكتابة والقراءة على يد
مشائخ قريته الصغيرة، وانتقل بعدها الى مدينة "عدي قيح"
حاضرة إقليم اكلي قزاي عند أخيه الاكبر الحاج سليمان أرحو
الذي كان يعمل بالتجارة، حيث حفظ القران ودرس الفقه واجاد
الكتابة فيها.
أعجب بحياة المدينة واندمج سريعاً في المجتمع وتعرف على
أعيانها، وأعجب بمشايخها الذين كانوا رموزاً في المدينة
خاصة بما يتعلق بالتعليم، مثل القاضي علي فنجا والشيخ
ادريس عمر وغيرهم، ما جعل فقيدنا يحرص على حضور حلقات
الدروس في مسجد المدينة الكبير. أحب التعليم والتعلم،
وارتبط ذلك بإدراكه لقيمة التعليم والمعرفة كأداة أساسية
من أدوات النضال، وتحمس لفكرة
السفر الى خارج ارتريا، خاصة الى مصر، حيث عاد الكثير من
الذين درسوا في مصر والسودان الى الوطن وأصبحوا مشاعل تضيء
الطريق للأجيال الصاعدة. وهذا ما جعله يغامر بالسفر مع
أخرين قاصداً الأزهر الشريف الذي كان منبع المعرفة في ذلك
الزمان، فوصل فقيدنا السودان ومكث في معهد التكنية
بالجزيرة مدة لا تقل عن العامين، حيث تشبع أكثر بتعليم
القران وعلومه والفقه واللغة.
وصل الأستاذ موسى في العام 1954الى القاهرة محطته الثانية
في رحلته التعليمية، والتحق بالأزهر الشريف، ونال اجازة
المرحلة الإعدادية، والتحق بعدها بالتعليم الأكاديمي، فدرس
المرحلة الثانوية في مدرسة قصر النيل بمصر القديمة، وأثناء
تواجده بالقاهرة، انخرط في النشاط الثقافي والاجتماعي
للطلاب الارتريين في النادي الارتري، وكانت له مساهمات
واضحة وبارزة في نشاط الاتحاد. وبعد أن أكمل دراسته قرر
العودة الى أرض الوطن الذي ارتبط به ارتباطاً وثيقاً، حيث
كان دافع الهجرة للتعليم، رغبته في خدمة مجتمعه والنضال مع
الاخرين من أبناء بلده لنيل الحرية والاستقلال. وكأول
مبادرة عملية في طريق التوعية للأجيال، شرع الراحل بإنشاء
مدرسة في بلدته لتدريس الاطفال وحتى كبار السن العربية
والتجرينية، واستمرت المدرسة حتى مغادرته ليستقر به المقام
في العاصمة أسمرا.
بواعث نضاله ضد الاستعمار:
ذكر الراحل الاستاذ موسى أرحو أنه كان يستمع من والديه
وكبار القرية قصص الجهاد الوطني ضد الغزاة (البرتغاليين
والايطاليين والإثيوبيين)، وخاصة الغزو الاثيوبي الذي كان
يستهدف من غزوه لإريتريا الوصول الى سواحل البحر الأحمر،
حيث تصدت شعوب المنطقة لتلك الحملات الاثيوبية المتكررة.
حيث وثُقت أحداثها عبر الشعر والاغاني وقصص التضحيات
والانتصارات التي كان يحيكها الكبار للصغار، لذا كان الشيخ
موسى معجباً بتلك الروايات وكان يحفظ الكثير من الاشعار
التي تحكي عن تلك الحقبة من التاريخ، بل كان يروي للأجيال
المتأخرة عن تلك التضحيات. ولعلها كانت لتلك الروايات
الاثر الاكبر في توجهه الثوري والوطني الذي ظهر بجلاء في
حياته بعد تلك المرحلة، إضافة الى ما عاصره بنفسه من
اضطهاد الايطاليين والاثيوبيين للشعب فيما بعد. وبعد ان
عمت البلاد موجة عارمة ضد الانجليز بعد انتصارهم على
إيطاليا في الحرب العالمية الثانية في ارتريا، حيث ورثت
تركتها بعد خروجها من الحرب مهزومة، شارك الراحل في
انتفاضة الشعب بمختلف فئاته من العمال والطلاب في اسمرا
بمظاهرات كبيرة ضد محاولات الانجليز لضم ارتريا وجعلها جزء
من إثيوبيا، فكانت تلك سانحة أظهرت قدرات الأستاذ موسى
الإدارية والنضالية اثناء المظاهرات التي كان من مديريها
والمحركين لها.
قصة التحاقه بحركة التحرير الارترية:
التحق الراحل بحركة التحرير الارترية في اغسطس 1958م وهو
أوائل الذين انضموا الى صفوفها وقد تأسست قبل ذلك بأشهر
قليلة، وكانت قصة انضمامه الى الحركة أثناء عودته من
القاهرة الى الوطن وفي مدينة كسلا السودانية، حيث التقاه
أحد مؤسسي الحركة وهو المناضل "عمر قونحتا " واطلعه على
أهدافها ودعاه للانضمام اليها، فقبل مباشرة دون تردد، لأنه
كان مهيأ للنضال من أجل قضية الشعب وحلمه في الحرية الذي
تبلور عنده منذ فترة ليست بالقصيرة. وبعد وصوله مدينة عدي
قيح، بدأ بالتجنيد مباشرة وسط الفئات المختلفة من الشباب
والمعلمين والتجار والحرفيين، حيث شرح لهم نشاط الحركة
الوطني، واهدافها الوطنية، واسلوبها وطرقها في العمل ضد
الاحتلال (سري)، الذي كان يعرف بالخلايا السباعية (محبر
شوعتي)، فاستجاب الناس بان يكونوا جزءً من النضال ضد
محاولات اثيوبيا والموالين لها لضم ارتريا قسراً. وفي
نهاية العام 1959 انتقل الراحل الى اسمرا ليعمل مدرساً
بمدرسة الجالية العربية، وأثناء اقامته هناك، تعرف على بعض
قيادات الحركة، كان من بينهم عضو البرلمان الفدرالي صالح
موسى، ومدير جريدة صوت ارتريا محمد صالح محمود، والمناضل
يس عقدا المنسق العام للحركة وهو من المؤسسين للحركة، حيث
عرضوا عليه الانضمام لحركة التحرير الارترية، فأخبرهم بأنه
عضو بها منذ عام، بل قام بتكوين خلايا سرية بمدينة عدي
قيح، فتفاجئوا لأنهم لم يعرفوا بذلك، وذكر الفقيد الراحل
الأستاذ موسى بانه تعرف على بقية قيادة الحركة من خلالهم
في أسمرا.
رُشح الأستاذ موسى ليكون ضمن قيادة الحركة في أسمرا بعد
مكوثه في اسمرا فترة قصيرة، حيث كُلف بعدها بمسؤوليات
خطيرة ومهمة، فقد قام بأدوار متميزة من تعبئة المواطنين
وتكوين خلايا داخل العاصمة اسمرا وخارجها، وتعميق وعي
العضوية وربطهم بالتنظيم، كما كان يرتب لقاءاتهم بقيادة
الحركة في الداخل، فأصبح الراحل موضع ثقة بين زملائه في
قيادة الحركة والقاعدة، وحظي بود كبير من الطلاب والعمال
والمعلمين والموظفين والشرطة الارترية. وبعد ان اظهر
الفقيد الراحل امكانيات ادارية وعلاقاته الاجتماعية
الممتدة وسط المجتمع، ووعيه السياسي والثوري ضد الاحتلال ،
رشح بان يكون على قيادة الحركة، فاصبح الرجل الأول الفعلي
للتنظيم في الداخل، وكان ذلك في ظروف عصيبة حيث شعرت
السلطات الاثيوبية بوجود عمل وطني ضد سلطة الاحتلال في
ارتريا، حيث استطاعت الحركة تجنيد كل فئات المجتمع الارتري
من التجار والعمال والطلاب وحتى داخل الشرطة وعناصر من
البرلمان الارتري ومحامين ووزراء داخل الحكومة الارترية
الفدرالية، اضافة الى ذلك امتدادها في الريف الارتري عبر
خلاياها السرية المعروفة (بمحبر شوعتي). حينها بدأت
السلطات الاثيوبية البحث عن قيادة هذا التنظيم السري
واعضائه النشطين، فقامت بمحاولات عديدة للقبض على افراده
واغتيال قياداته، وتم اعتقال أغلب قياداته في اسمرا بتهمة
النشاط المعادي
للدولة، وكان من ضمنهم المنسق العام للحركة الذي أضطر في
العام 1962م الى مغادرة ارتريا.
أدواره في الحراك ضد الغاء الاتحاد الفدرالي:
علمت قيادة الحركة في أسمرا عبر عناصرها في الحكومة
والشرطة بأن الإثيوبيين يريدون الغاء الفدرالية وضم إرتريا
قسراً بعد أن الغت العلم قبله كخطوة استباقية، فجلست قيادة
الحركة في اسمرا للتصدي للمخططات التي يريد القيام بها
نظام الامبراطوري هيلي سلاسي، فاتخذت قراراً بمواجهة إلغاء
الفدرالية عبر تسيير مظاهرات تعم كل انحاء ارتريا في وقت
واحد، وكان ذلك في العام 1962، كما أنها قررت تسليم مذكرات
للبعثات الدبلوماسية تندد بخطوة اثيوبيا الانفرادية،
فتوجهت قيادة الحركة الى جميع المديريات الارترية لتحريض
الناس وخاصة الطلاب، ومن ضمن ما قام به الراحل توجهه الى
إقليم اكلي قزاي (عدي قيح - صنعفي) لتبليغ قيادة الحركة
المحليين بالتحرك ضد تلك الخطوة. تحرك الشارع الإرتري في
مظاهرات كانت مشهودة في جميع انحاء البلاد وخاصة المدن
الكبرى، فكان للأستاذ موسى الدور الكبير من خلال تواصله مع
مختلف القطاعات داخل العاصمة وخارجها للتنسيق والاعداد
وانجاح المظاهرات. وكنتيجة لتحريك الشعب ضد ممارسات
الاحتلال الاثيوبي من قيادة الحركة في الداخل، اعتقلت
الأجهزة الأمنية أغلب قيادتها وتعرضت للتحقيق والتعذيب عقب
المظاهرات. وكذلك علمت الأجهزة الأمنية أن الأستاذ موسى هو
القائد الفعلي لنشاط الحركة بالداخل، لذلك استهدفته بشكل
مباشر، لقد أدى الفقيد دوره الاستثنائي هذا الى اعتقاله
وسجنه سبع مرات، وتعذيبه تعذيبا وحشياً لم يتعرض له أحد،
ولم يثنيه ذلك التعذيب الوحشي عن مواصلة نضاله ضد
الاحتلال. وتفاوتت مدد اعتقاله من ثمانية أشهر الى ثلاثة
سنوات، وكان آخرها ان نفي الى سجن نخرا سيء السمعة الذي
يقع في جزيرة دهلك، وكان مجموع سنوات الاعتقال في سجون
(كارشلي، وكازيرما موسوليني، وفورتو، ومعسكر دقيمحراي،
ومعسكر طور سراويت بأسمرا، وسجن نخرة بدهلك) الاثيوبية ما
يتجاوز السبعة سنوات. وذكر الراحل في مذكراته انه قال "
كلما خرجت من السجن أجد التهاني مما كان يشعرني بالفخر
والاعتزاز والعزم على مواصلة نضالي في سبيل شعبي ووطني".
دوره البطولي في اخراج قوة مسلحة للحركة:
كانت تخطط قيادة حركة التحرير الارترية في اعلان الكفاح
المسلح وإخراج قوة من الشرطة الارترية التي كان اكثر
قياداتها وعناصر افرادها ينتمون اليها من ناحية جنوب شرق
ارتريا، وبالتحديد تجاه (فرو) الواقعة على خليج زولا جنوب
مصوع، وجاءت هذه الخطوة بعد الغاء الاتحاد الفدرالي وإعلان
اثيوبيا من طرف واحد ضم اريتريا لتكون جزء منها، فذهب
المناضل محمود إسماعيل الذي كان أحد قيادات الحركة باسمرا
الى الأستاذ موسى ارحو في مكان عمله (مدرسة الجالية
العربية) ليسافر معه الى (فرو) لتنفيذ المهمة والتواصل مع
الشخص الذي تم اختياره ليكون قائدا للشرطة
التي ستكون نواة لإعلان الكفاح المسلح ضد تغول اثيوبيا
والغائها الاتحاد الفدرالي، وكان ذلك الشخص هو الشهيد
المناضل الكبير علي شوم سليمان قرزماش، وقد كان الفقيد على
معرفة وثيقة به. ذهب الفقيد بصحبة المناضل محمود إسماعيل
والشهيد محمد سعيد شمسي الى مصوع، ومنها واصل الأستاذ موسى
برفقة محمود اسماعيل الى (فرو) والتقيا بالمناضل علي شوم
سليمان، وتم الاتفاق على الخطة التي خططتها قيادة الحركة
وهي قيادة الشرطة الارترية ومواجه الاحتلال هذه المرة
بالكفاح المسلح، وعادا الى اسمرا بعد الاتفاق معه. خرجت
تلك القوة ووصلت جنوب مصوع لتغادر بعدها حيث كان ينتظرها
الشهيد علي شوم سليمان في فرو، ولكن كشف امرها وهي بين
حرقيقو ومصوع عبر عناصر مندسة، وتصادمت مع قوات الامن
الاثيوبية وانتهت هذه المحاولة قبل ان تتم. وهكذا اسدل
الستار على نشاط الحركة بالداخل بعد انكشاف جزء كبير من
قيادتها، ولم يثنيه ذلك بالتوقف ولكنه واصل الفقيد نضاله
من خلال جبهة التحرير الارترية ، لان القضية عنده الوطن
واستقلاله. قال عنه زميله في الحركة الوزير "ولدنكئيل
ابرها " عندما زاره في الرياض في العام 2016 ، قال (كان
ممهر – ويعني الأستاذ - موسى ارحو هو القائد الفعلي للحركة
بالداخل، فاطلاعه والمامه بالتجارب الثورية في الجزائر
وفيتنام وصفاته الشخصية المتميزة، اهلته ليكون قائداً
للتنظيم بالداخل".
وبعد انتهاء تجربته النضالية في حركة التحرير الارترية
التي واجهت صعوبات في الاستمرار وهور جبهة التحرير
الارترية، واصل الراحل نضاله معها، وقام بالكثير من
الأدوار داخل العاصمة اسمرا، وان آخر سجن الذي انتهى به
الى نفيه الى نخرا، كان بسبب انكشاف دوره الكبير في تقديم
معلومات لجبهة التحرير الارترية عن بعض المواقع الحيوية
التي استهدفها فدائيو الجبهة بنجاح.
أدواره في تعليم الأجيال من أبناء ارتريا:
عمل الأستاذ موسى ارحو معلما بمدرسة الجالية العربية بعد
عودته من القاهرة، فلم يكن مدرساً تقليدية يكتفي بالمقررات
الدراسية فقط، بل كان كتابا مفتوحا ليعكس لطلابه ما يدور
في البلاد من مؤامرات النظام الاثيوبي واستهدافه لسيادة
إرتريا، وكان يوضح لطلابه التآمر الذي أستهدف رغبة الشعب
وخياره الوحيد الاستقلال. وبعد فترة من الزمن ضايقته
الأجهزة الأمنية وتعرضت حياته الى الخطر، وبعد خروجه من
سجنه الأخير أخبره بعض رجالات الامن بان السلطات تتابع
نشاطه الذي اعتبرته سلطات الاحتلال نشاطا معاديا، فنصحوه
بمغادرة البلاد فورا.
وصل الشيخ موسى أرحو رحمه الله السودان في أغسطس 1971م،
وعند وصوله عرضت عليه قيادة جبهة التحرير وكذلك الشهيد
عثمان صالح سبي نقله مع اسرته ليعيش في سوريا، فرفض الشيخ
ذلك وآثر البقاء وسط شعبه واستقر به الحال كجميع الشعب
الارتري في معسكر ود شريفي للاجئين. وبعد فترة قصيرة أنشأ
اول مدرسة في معسكر ود شريفي، حيث حول عدد (2) من اكواخ
سكنه الى
فصلين ليدرس فيه الصغار صباحا والكبار مساء كبرنامج محو
الأمية، ثم أنشأ مدارس بمعسكرات البحر والسمسم.
انتقل الفقيد الى معسكرات السمسم للاجئين جنوب مدينة
القضارف، فبادر كعادته بإنشاء مدرسة ابتدائية في معسكر
الدهيماء تحت (راكوبة)، وباشر بنفسه تعليم أبناء وبنات
ارتريا إضافة الى برنامج تعليم الكبار. وعندما قدم
اللاجئون الى منطقة ود الحليو عقب المجازر التي ارتكبتها
جيوش هيلي سلاسي في مناطق غرب ارتريا خاصة بمدينة أم حجر
وضواحيها، سافر الى الخرطوم لملاقاة الشهيد عثمان صالح سبي
ليخبره بالمأساة التي حلت على الارتريين وقدوم الالاف من
اللاجئين الى منطقة ودالحليو، واقترح الأستاذ موسى عليه
ببناء مدارس للقادمين هربا من مجازر الاحتلال الاثيوبي،
فوافق الشهيد سبي حيث تم تكليف الأستاذ محمود سبي ببناء
مدارس في مناطق ود الحليو، إضافة الى ذلك تم تكليف الراحل
الفقيد موسى ارحو ليكون مشرفا على الخلاوي القرآنية في شرق
السودان.
دوره الاجتماعي وسط المجتمع الارتري:
لا يقل دور الشيخ موسى في الجانب الاجتماعي عن دوره
النضالي الذي قام عليه منذ نعومة اظفاره، فكان رجل باب
بيته مفتوح لكل من كان يقصده، ولم يمل الراحل عن مساعدة
الناس بكل ما يستطيع حتى يقوم بحلها، وفي كثير من الأحيان
كان يقوم بمساعدة الناس دون ان يشتكي له أحد عن ظرفه لأنه
كان ذو بصيرة ويدرك من النظرة الأولى للأحوال التي يمر بها
بعض الناس. إضافة الى ذلك كان الشيخ موسى وفاقيا لا يحب
الخلاف ويتجنبه، كما كان يحب رص الصفوف والتوحد على
المستوى الوطني والاجتماعي، لذلك كان دوره الاجتماعي بارزا
أيضا. ومن أبرز ما عرفناه بها هو أن طلاب العلم كانوا
يقصدونه، خاصة أولئك الذين هاجروا من الداخل الارتري هربا
من سياسات النظام وبحثا عن التعليم، فمر على بيت الشيخ عدد
لا حصر له وكان يستضيفهم في منزله ويأويهم ويحسن إليهم
ويرشدهم، وكان لا يمل من تقديم النصائح لهم، كما يعجب
كثيرا عندما يسمع بان أحد الانباء تفوق في تعليمه ويشد على
ايدي المبرزين منهم.
ربما لا أستطيع ذكر كل ما كان يقوم به الفقيد الراحل الشيخ
موسى من إحسان تجاه الناس بدون فرز، لأنه كان واسع الأفق،
أحب جمع الناس وتوحدهم تجاه القضية المركزية، وقد عاصرت ما
كان يقوم به وجالسناه كثيرا وسمعنا له، فكان تفكيره موجه
نحو ارتريا وكان يفكر كثيرا في عودة الناس الي أماكنهم في
الداخل، ليلعبوا الدور المنوط بهم وبمجتمعهم الذين يعيشون
في سجن كبير في ظل النظام الطارد للشباب وشاهد باستمرار
هروب الشباب من الداخل في السنوات الأخيرة.
أما حديثه عن أوضاع الوطن بعد جلاء المحتل قال الراحل "
وثمة غصة في القلب والحلق .. عندما رأيت ان تنظيما واحداً
من تنظيمات الثورة الارترية وهو الجبهة الشعبية، الذي
يستولى على إدارة البلد وباقي التنظيمات لا يسمح لها
بالمشاركة رغم أدوارها النضالية" وقال أيضا: " ان دخول
الجبهة الشعبية الى اسمرا والاستيلاء على مقادير البلاد
والعباد علامة فارقة ومنعطفاً حاداً في مسيرة نضالنا
الوطني، وسيصعب محو آثار ذلك وما يترتب عليه من عواقب".
الا رحم الله الشيخ موسى ارحو رحمة واسعة بقدر ما قدم
لوطنه وشعبه وامته، نودعك أيها الشيخ الوقور ونحن نتذكر
ابتسامتك العريضة امام الكبار والصغار، ونصائحك المستمرة
حول تعليم الشباب قادة المستقبل، نودعك داعين الله لك
الرحمة والمغفرة وان يرزقك الفردوس الأعلى. ونقول بان
سيرتك العطرة التي تحوي الكثير من التضحيات هي زاد الشباب
الارتري لمواصلة المسيرة حتى ينتصر الشعب ويعيش كريما في
وطنه، وحينها سيذكركم التاريخ بما بذلتموه من تضحيات جسام،
وسوف يخلد التاريخ لكم ذلك، فنم قرير العين في قبرك
الروضة.. ولقائنا في جنة عرضها السماوات والأرض..
19 يوليو 2020
|
|
|
|
|