مرت دولة أرتيريا بعدد كبير من المستعمرين الذين تكالبوا عليها من كل حدب وصوب، وكان السبب في ذلك موقعها الجغرافي المميز والهام لانظار واطماع المحتلين .
لكن شعبها الأبي الأصيل الفطن وقف بالمرصاد لكل ذلك المحاولات وابدوا رفضهم بل مقاومتهم الاحتلال وبشتي الطرق المختلفة فكان حلمهم الأول والأخير أن تكون جارة البحر حرة ومستقلة أرضا وشعبا، وكان فعلا وعمليا المهر باهظ الثمن من أجل أن تنعم أرتيريا بالحرية ويتمتع انسانها بالعزة والكرامة ويرفرف علمها بين الأمم .

بدأت المقاومة تتبلور بصورة منظمة وفعالة في بدايات الأربعينيات وتتشكلها معالمها الواضحة مع الرابطة الإسلامية وقيادتها ورواد الإستقلال الذين وضعوا حجر الأساس واللبنة الاولى لبناء كيان الدولة، والذى كانت بمثابة التمهيد للثورة العملية وانطلاق شرارة الكفاح المسلح فى الفاتح من سبتمبر عام 1961 فى جبل الصمود (ادال) بقيادة البطل والرمز الوطني حامد إدريس عواتي، والذي رفع هو ورفقاه الأبطال شعار التحرير لكامل التراب الوطني والتفوا جميعا فى راية واحدة ومظلة مفادها بأنهم يريدون تحرير الوطن لينعم كافة شعبنا بكل أطيافه المختلفة بالحرية والكرامة والسلامة والأمن والأمان.
وانخرط الجميع تحت هذا المسمي الفريد والذي سبق أوانه بمراحل كثيرة واكد الرؤية الفاحصة والثاقبة للرعيل الأول، وتوالت وفود الأبطال من كل ربوع الوطن لتلبي الشعار الوطني ويواجهوا أقوى الإمبراطوريات الإفريقية حينها المجهزة بكل أسباب القوة البشرية والمادية والدعم العالمي، لكن عزيمة الرجال والثبات على المبدأ ووضوح الرؤية و الرسالة و الأهداف مع التجرد والموضوعية والمصداقية حطموا كل شئ أمامهم لتكون أقوى ثورة وثوار عرفتها القارة السمراء وبشهادة الأعداء قبل الأصدقاء .

وكانت ثمرة كل هذه الجهود والتضحيات العظام التي قدمها الشعب الارتيري كافة،أن تكلل بأكبر حدث شهدته منطقة القرن الأفريقى بميلاد الدولة الفتية الحديثة (أرتيريا ) واستقلال كامل التراب الوطني فى (1991 ) لتكون دولة ذاث سيادة وطنية ورسمية فى الأمم المتحدة بعد كفاح جبار قدم خلاله شعبنا الارتيرى الصابر ارتالا من الشهداء وسقت دمائهم الطاهرة كل شبر من ربوع الوطن.
وبهذا الإنجاز والإعجاز المستحق لابد أن يعلم ويعرف الجميع (ابى من ابى ورفض من رفض) بأن تباشير الإستقلال بدأت بتلك الجهود المباركة والتضحيات الجسام لهؤلاء الأبطال من قيادات ثورتنا المجيدة لأنه ظهرت في الفترة الأخيرة بعد الأصوات النشاذ لتحريف وتزوير التأريخ وتمليك الأجيال معلومة مخلوطة لشئ فى نفوسهم المريضة والمضطربة لاقصاء الحقيقة المعروفة لكن هيهات ثم هيهات لذلك لأن شعبنا الارتيرى الأصيل أوعي من كل هذه التراهات والاراجيف.

كانت طموحات الشعب الارتيرى المصابر كبيرة وعريضة بقدر ماقدم من الفاتورة النضالية الغالية، فلاتكاد أسرة او بيت إلا ولها شهيد او جريح ولاقرية ومدينة إلا تعرضت للابادة والاحتراق والتشريد والفقدان الكبير فى النسل والحرث من المستعمر البغيضة( سياسة الأرض المحروقة )
ونحن اليوم نعيش ثلاث عقود من الكفاح المسلح ومثلها من الإستقلال لتراب الوطن ومازال الكل يتسال:
باى حال أتيت ياستقلال؟والذي تحول وبامتياز إلي(إستغلال).!!!
فلم يستقر الوطن والمواطن يوما ما. فالعصاية التي شاءت الأقدار أن يختم على يدها الإستقلال لم تراعي مثقال ذرة من تضحيات الشعب واستثارة بمصالحها الخاصة الذاتية واجنداتها الخبيثة من إقصاء وتشريد وقتل واعتقال كل من يطالب بأبسط أبجديات الحياة الكريمة والحقوق لتفتك بالجميع لتنحرف عن المسار الصحيح كله لتجعل الوطن كله فى كفة عفريت لأحد يعرف مالاته المستقبلية.

اما الطرف الآخر (المقاومة ) فهي الأخرى تعاني الآمرين لعدم وجود الأرضية الصلبة التى تنطلق منها فهي كابن اللبون لاضرع يحلب ولا ظهر يركب.!!!
فتنام على آمال فى دولة ما، وتستيقظ على كابوس جعلها مكتوفة الأيدي وفاقدة لكثير من عوامل النصر والتقدم لخطوات ثابته لوضع حلول جذرية للماساة الوطنية،بالرغم من كل ذلك يكفيها شرف الإمساك والتمسك بالقيم الوطنية القويمة والصحيحة لعلها تجد طريقها وبوصلتها مع تفاعل الحاضنة الشعبية وفتح قنوات داخلية وتنسيق خارجي مقنع وبكل تجرد ونزاهة ووضع المصالح المشتركة العليا في جدول الاولويات والضرويات .

ونحن نعيش هذه الايام العصيبة والامواج المتلاطمة التي تعصف بوطننا والمنطقة بأسرها والتي تمر بمنعطفات وتعرجات تاريخية ومستجدات خطيرة ربما يرسم ملامح خرائط جديدة، والكل يضع يده في قلبه فى مصير الوطن الذى بالفعل دخل فى هذه الحروب والمسرحيات العبثية والهزلية مجهولة المعالم، والتي لاتهمنا لامن قريب أو بعيد ودفع ثمنها ثلة كبيرة جدا ومقدرة من فلذات أكبادنا وفقدوا فيها أنفسهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولاجمل.!!

بعد مرورستون عاما من إنطلاق ثورتنا المجيدة والخالدة أين وصل بنا الحال والأحوال والي أين المسير والمصير.؟؟
وفي هذا الصياغ يجب أن نعرف من نحن وماذا نريد ومن هو عدؤنا؟؟؟
فنحن من بدأ النضال وفجرنا الثورة وأخذنا بزمام المبادرة للجميع ليعيش وطننا الغالي أرضا وشعبا عزيزا مكرما وينعم كل إنسانه بالحرية والكرامة والعزة والشموخ ويتمتع بكامل حقوقه ويتقاسم بالعدل السلطة والثروة وتكون المساواة على اساس المواطنة.

بعد كل ذلك يجب كل واحد منا أن يشخص حال الوطن ومن الذى اوصلنا الي ذلك؟
أكيد الإجابة عند الجميع معروفة فهذا هو العدو المشترك الأكبر للجميع فالتتوحد الجهود وتتكامل وتتضافر وتتضامن الآراء والصفوف والايدى والكلمة فى سبيل ذلك، وكل يعلب دوره المنوط به حسب استطاعته دون الإنتظار من أحد فالمسؤولية والمهمة والهم واحد ومشترك ولم يتبقي شئ يدعو لدفن الدقون تحت الرمال والاتكالية، وليرمي كل واحد حجرا على هذه البركة الاثنة النتنة الذي زكمت أنوف الجميع،ولابد لتطهير الوطن الحبيب قبل فوات الاوان، ونترك ونؤجل أى خلافات ومهادرات وانشقاقات ضيقة وبينية أخرى حتي يتم الخلاص من هذا الآفة السرطانية التي تنخر في عظامنا، وتأكل في جسد الوطن ثلاثون عاما حسوما.

وبذلك نكون قد وضعنا بصمة فى جدار الوطن، ومنحنا الفرصة للأجيال القادمة بأن تعيش في وطن يسع الجميع وينعم فيه الكل بالحقوق والواجبات في ظل دولة ترعي وتراعي القانون والدستور والعدالة الاجتماعية ليعيش الوطن والمواطن حياة ادمية تصون وتحفظ له الحياة الكريمة.

عاشت ذكرى سبتمبر تظلل سماء وارض أرتيريا حرة ابية
وعلى الخطى سائرون حتي تحرير الأنسان.
والمجد والخلود لكل شهداء الوطن.

بقلم/
محمد علي ابوزينب