29 نوفمبر 2020

 

الأخـــــبار

الشيخ حسن يعيدي .. الثائر المقاوم!.

29 /11/ 2020

عاش الشيخ حسن يعيدي كل حياته الطويلة "ثائرا" و"مقاوما" دون كلل ولا ملل على مدى أكثر من قرن كامل من الزمان. وكرس روحه الشريفة وكلما يملكه وبكل ما أوتية من قوة لتحقيق أبرز وأهم هذه المبادئ الثلاثة التالية (الحرية - العدالة - الإستقلالية الذاتية للشعب العفري في أراضيهم التاريخية) حيث رأيت ولا حظت بشكل واضح من خلال مرافقتي له في حله وترحاله على مدى ثلاثة عقود من عمري أن هذه القيم والمبادئ الثلاثة هي أكبر همه ودائما هي شغله الشاغل في كل تفاصيل حياته حتى كانت تتردد في لسانه دون وعي وهو نائم. وبالتحديد حينما يتناول في محادثاته ونقاشاته عن قيمة (الإستقلالية الذاتية للشعب العفري في أراضيهم التاريخية) كان يتحدث بكل فخر وعزة قائلا أننا نحن العفر نمتلك إرث تاريخي عريق موغل في القدم في إدارة شؤوننا الخاصة وفي إستقلاليتنا الذاتية عن غيرنا في المنطقة عبر العصور، وكان يقول دائما نحن العفر لنا من القوانين والأعراف ما ليس غيرنا، ولنا تاريخ طويل من الطبيق والممارسة العملية حتى ترسخت في وجداننا الجمعي أرقى الثقافة القانونية وأرقى المنظومات القضائية الكاملة مع تجاربها ومجرياتها الحياتية وهي جارية على ألسنة الجميع مع سوابقها ولواحقها والى هذا اليوم منظومتنا القانونية تحكم واقع العفر على الأرض منافسة لكل المنظومات الوضعية المعاصرة.
الشيخ حسن يعيدي رغم نضاله المرير ورغم كفاحه الطويل جدا من أجل الحرية والعدالة والإستقلالية الذاتية للعفر في دنكاليا لم يذق طعم الحرية في حياته أبدا ولم تكن العدالة يوما واحدا من نصيبه ولم يحقق لشعبه الإستقلالية الذاتية التى كرس من أجلها كل حياته الطويلة. لكنه لم يستسلم ولم يضعف حتى مات يوم الخميس بتاريخ 26 نوفمبر عام 2020م عن عمر يناهز أكثر من 103 سنوات غادر عن دنيانا ذاكرا ومتمتما قيمه الذي عاش من أجله بنبرة حزينة وهو في سكرات الموت. ولو إسترجعنا الى الوراء شريط طويل من حياته التاريخية نجد أنه عاش لاجئا منفيا مطرودا خارج دنكاليا أكثر من 25 سنة وعاش نازحا في داخل بلده أكثر من 15عام وصدرت في حقه عشرات الأحكام لإعدامه ونجى كذلك عشرات المرات من محاولات القتل وصدرت في حقه مئات الأوامر والبلاغات في إعتقاله وصودرت أمواله وممتلكاته أكثر من 5 مرات بالكامل وصبيت نسائه وأولاده وأقاربه المحيطين به ومن أجل أن يتخلى عن كفاحه ونضاله عرضت عليه مئات العروض والمساومات والإغراءات وأنا شخصيا بنفسي قرأت عليه أكثر من 53 رسالة أرسلت إليه من عدة طرق كلها تطلب العودة والتخلي عن الكفاح والنضال وكلها تعرض وتساوم وتحذر وترهب وترغب وكلها تعرض عليه الإغراءات المادية والمعنوية الزائفة. ويشهد له القاصي والداني أنه رفض كل ذلك وبقي ثابتا على مبادئه وقيمه النبيلة وعاش صابرا عصيا على الأعداء رافضا كل إغراءاتهم الزائفة حتى فارقت روحه الشريفة عن جسده المنهك بالمرض وشظف العيش بين اربعة جدران ضيقة في غرفة للإيجار في مدينة لوقيا في إقليم العفر في إثيوبيا يدفع ثمن إيجار غرفته أحد المحسنين الخيرين من أبناء قوميته الأوفياء.
ومن أهم وأبرز الصفات والسمات الشخصية التى إشتهر به هي الكرم والتواضع والشجاعة وعزة النفس والإباء وإشتهر بإرادته القوية وعزيمته الصلبة ومقدرته الفريدة في حل المشكلات الفردية والجماعية والقبلية وإشتهر كذلك بالعفو عند المقدرة والشهامة والنبل والتسامح وعرف بالعدل في حكمه والتواصل الفعال مع كافة الفئات العمرية والأجيال المختلفة وعرف كذلك بمبدأ التشاور مع من حوله والى جانب ذلك أنه كان شخصا ذكيا طموحا معروف بقلة حديثه وسلاسة العبارات وقوة الفصاحة ونصاعة البيان وأنه قادر على الإستماع ومشهور بتحمله للمصاعب وبالصبر عند الشدائد والجرأة الشديدة في المواقف الصعبة.
إذن كل هذه الصفات الجميلة والسمات الشخصية النبيلة جعلته رجلا محبوبا لدى الجميع وموضع الثناء والمدح والتقدير عند الناس وخلقت منه بطلا قوميا ومحاربا جسورا خاض النضال والكفاح منذ نعومة أظفاره وهو في سن 20 عاما حتى وافته المنية وهو في عمر يقارب أكثر من 103 عاما مما يعني أنه عاش مناضلا ومكافحا على مدى 80 وهو ثائر ومقاوم للظلم والطغيان في إقليم دنكاليا في إرتريا.
ولو رجعنا الى تاريخ الشيخ حسن يعيدي نجد أنه تاريخ قرن حافل بالبطولات والتضحيات الجسيمة وهو بالفعل شخصية شاهدة على العصر بل هو شخصية بمثابة أنها شاهدة على القرن بأكمله وبالتالي لا يمكن حصر هذا التاريخ الواسع والعريض في مقال قصير بمثل هذا المقال لذلك أكتفي برؤوس الأقلام من خلال تسليطي للضوء على أربعة زوايا من تاريخه العريض كمراحل مهمة مر عليه الشيخ حسن يعيدي في حياته كلها وهي كما يلي:
• 1- مرحلة النشأة وفي هذه الفترة عاش في كنف والده الشيخ يعيدي على محمد ما يقارب 20 في منطقة نبرو ومنطقة موري فوعو وتعلم القران على يد والده وهو في سن صغيرة.
• 2- مرحلة الذي عاش فيه الشيخ كمساعد لأخيه الشيخ محمد يعيدي بعد موت والده وفي هذه المرحلة عاش الشيخ مساعدا لأخيه في المهام الإجتماعية والقبلية ومساعدا له في الأعمال الثورية في المنطقة ما يقارب 27 عاما حيث إنخرط في هذه الفترة بمجموعات العمل السرية مع أخيه الشيخ محمد يعيدي الذي كان يقودهم في تلك الفترة المناضل محمد عمر آكيتو والشيخ حسن يعيدي كان يرافق أخوه في كل رحلاته وومساعدا لخ في كل أعماله الثورية السرية في دنكاليا في تلك الفترة العصيبة من تاريخ المنطقة.
وشارك الشيخ مع أخوه تحت قيادة المناضل محمد عمر آكيتو ومع بقية المشايخ العفرية في مدينة عصب ضد قرار سلطات الإحتلال الإثيوبية بإنزال العلم الإرتري بسبب معارضتهم لضم إرتريا ومن ضمنه إقليم دنكاليا الى الكيان الإثيوبي في نهايات عام 1961م وبدايات عام 1962م.
• 3- مرحلة ما بعد وفاة أخوه الشيخ محمد يعيدي فقد تولى الشيخ حسن يعيدي بمشيخة قبيلته وبجانب ذلك تولى إحتضان مع رفاقه من أعيان المنطقة طلائع الثورة الإرترية وتولوا برعايتهم وحمايتهم من أعدائهم المتربصين لهم في جنوب دنكاليا. وإستقبل الشيخ حسن يعيدي ومعه الشيخ المناضل محمد حمد صالح والشيخ والمناضل إدريس إسماعيل والشيخ المناضل محمد حندو أول فوج من مناضلي الثورة الإرترية في منطقة جنوب دنكاليا في عام 1966م وكان عددهم في تلك الفترة عن 90 مقاتلا واتخذوا في منطقة سيديحا عيلا مقر الجبهة الرئيسي حيث كانوا يقدمون للثوار كل أشكال الدعم والرعاية وكانوا يتولون حمايتهم وإخفاؤهم من العدو الإثيوبي المتربص بهم وهم تحملوا تبعات قرارات إستقبالهم للثوار في مناطقهم وكانوا كل يوم يذبحون لهم الماشية والجمال حتى قويت شوكة الجبهة وإمتد نفوذها وسيطرتها في المنطقة وأصبحت منطقة سيديحا عيلا مركز إنطلاق الثوار لضرب القوات الإثيوبية حتى في داخل إثيوبيا نفسها. وفي حدود نهاية عام 1969 حينما أدان وإستنكر الشيخ حسن يعيدي تصرفات الجبهة وخاصة إستنكاره قتل الجبهة للقاضي العفري محمد على خليفة في قرية عدي الساحلية وكذلك قتلهم للإخوة أحمد ادريس وأحمد محمودة وأحمد صبر لي في منطقة دود. وبسبب ذلك تعرض الشيخ للهجوم الغادر من قبل الجبهة حتى تم إعتقال الشيخ حسن يعيدي وتم قتل فيه من أقارب الشيخ شخصين وهما عبد القادر أحمد ومحمد أحمد على في منطقة كسرالي ثم إقتادته الجبهة بحالة مزرية وبصفة مهينة الى مقر الجبهة الرئيسي وهو مربوط اليدين الى الخلف على مدى أسبوع كامل لكن الشيخ تمسك بمواقفه من استنكار وإدامة الجبهة قرروا قتله ولكن ذلك القرار أدى الى إنقسام الثوار فيما بينهم عموديا الى فصيلين بين مؤيد للقرار بقوة ومعارض له بشدة مما أدى الى إشهار السلاح على بعضهم مما دفع الجبهة إضطراريا الإفراج عن الشيخ بعد إسبوع من إعتقاله بضمانة من إثنين من أعيان قبيلته وهما الشيخ محمودة حندو والشيخ شيخ برا على ساها بعد إشتراط الجبهة على الشيخ سحب إدانته وإستنكاره وغض الطرف عن تصرفات الجبهة وعدم التدخل في شؤونها وظل الشيخ تحت المراقبة الشديدة. لكن الشيخ حسن يعيدي رفض شروط الجبهة وقام بمواجهتهم حتى صدرت أوامر لإعتقال الشيخ مرة أخرى وهذه المرة صدرت أوامر الإعتقال بالإضافة الى الشيخ حسن يعيدي ومعه إبن أخيه يعيدي محمد وإبنه الأكبر محمد حسن يعيدي حينها نزح الشيخ مع رجاله وأبناء عشيرته الى مدينة عصب فقابل هناك ياسين محمودة ثم بعد ذلك إلتقى بيايو حمدو وحتى في مدينة عصب الذي لجأ إليه نازحا من منطقته تعرض الشيخ للإعتقال وكل من معه من قبل الأمن الإثيوبي بإيعاز من أحد مسؤولي الأمن التى كانت تربطهم علاقة سرية بالجبهة وكانت التهمة هي ولاء الشيخ للجبهة وعدم الثقة به لكن تم الإفراج عنهم فيما بعد. حيث عاد الشيخ حسن يعيدي مع رجاله الى المنطقة لمقاتلة الجبهة من أجل إخراجها من دنكاليا وبدأت معارك كبيرة شرسة متواصلة على مدى سنتين ونصف السنة بين الجانبين حتى إنسحبت الجبهة من جنوب دنكاليا في منتصف عام 1970م. وبعد إنتصاره رجع الشيخ الى مناطقه منتصرا لكنه عفى الشيخ عن الجميع وأطلق سراح اكثر 200 شخص وسمح العودة للفارين الى مناطقهم بل حتى حينما حوصر حوالي 70 شخص في منطقة برعصولي من قوات الجبهة بقيادة نور رمضان وأكثرهم كانوا من قومية تقري وحينما إنقطع أمامهم السبل أرسل محمد نور رمضان الى الشيخ حسن يعيدي شخصين أحد شخص أحدهم عفري إسمه عسا إسماعيل وطلبوا منه المساعدة مع الإعتراف بأخطاؤهم في حقه فإستجاب لهم الشيخ وعفى عنهم ثم مهد لهم طريقا آمنا للخروج عن طريق البحر فأعطاهم قاربين وحملهم عليهما بسرية تامة الى اليمن.
• 4- مرحلة ما بعد إستقلال إرتريا حتى اللحظة الراهنة على مدى أكثر من 30 عام يناضل ويكافح ضد الهيمنة القومية والثقافية والتهجير الممنهج والتطهير العرقي المنظم الذي قام ومازال يقوم به نظام الجبهة الشعبية بقيادة أسياس أفورقي في إرتريا في العقود الثلاثة الماضية تحت شعار " ninni amoh xin ninnih madaqnuh angiicilenno ila baxsa fanah". بمعنى سنناضل ونكافح من أجل تقرير مصيرنا وإستعادة حقوقنا المغتصة في إقليمنا في دنكاليا حتى الإنفصال". وبعد إستقلال إرتريا بفترة وجيزة بدأت الخلافات بين الشيخ حسن يعيدي وبين نظام الجبهة الشعبية بقيادة أسياس أفورقي في دنكاليا حيث كان يريد الشيخ الحفاظ على قوة العفر وكانت رؤية النظام تتمثل بإضعاف العفر من خلال نزع أسلحتهم وتشتيت قواهم من خلال قرار التجنيد الإجباري والعشوائي للرجال والنساء. والشيخ حسن يعيدي رفض كل هذه القرارات المجحفة ووقف في وجه النظام بكل قوة وجرأة. لكن حينما إستخذم النظام الدولة الوليدة كأداة للقمع والإكراه من أجل تنفيذ قراراته بدأ الشيخ بمحاولات توعية الشعب وأعيان القبائل بخطورة قرارات النظام الرامية لإضعاف العفر وتشتيتهم ودخل مع رفاقه في مرحلة تثوير الشعب في دنكاليا ضد قرارات النظام وسياساته وبالفعل حصلت إنتفاضة شعبية في عامة1995م وإندلعت مواجهات مباشرة بين العفر في دنكاليا وبين نظام الجبهة الشعبية بقيادة أسياس أفورقي وحينها هاجر الشيخ مع مجموعة من أقاربه الى الجمهورية اليمنية حتى تم لاحقا عملية تنظيم الثائرين تحت منظمة ثورية أطلق عليها «التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر» ومن يومها نضال الشيخ حسن يعيدي متواصلا كزعيم روحي للتنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر حتى وافته المنية في 26 نوفمبر عام 2020م في مدينة لوقيا في إقليم العفر في إثيوبيا.
وإن شاء الله نحن سائرون على دربك مهما كانت الظروف ومهما طال الزمان ولن نتعب من طول الطريق.
المجد والنصر للشعب العفري في دنكاليا والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.