منبر الحـــــوار

بقلم / علي محمد صالح شوم

لندن- 22/03/2021 م

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تاريخ اللغة العربية في ارتريا
 

 


في البدء ما دفعني للتطرق الى موضوع اللغة العربية ان البعض بدء بتناول الموضوع كل من وجهة نظره على مواقع التواصل الاجتماعي عن وطنية اللغة العربية ، ولهذا وبحكم سني وتجربتي في الحياة ومساهمتي المتواضعة في العمل العام وددت ان اساهم باليسير لتوضيح بعض ما اعلمه عن اللغة العربية في ارتريا من خلال قراءتي وما نمى لعلمي من الاباء والاجداد وما اطلعت عليه من وثائق يزخر بها الارشيف الارتري والتركي والايطالي والانجليزي ، بالاضافة الى العديد من المراجع التاريخية عن ارتريا ومنطقة القرن الافريقي.
من المؤكد ان اللغة العربية ليست لغة دين فقط كما يروج لذلك البعض، بل كانت لغة معاملات كل مناحي الحياة في ارتريا منذ قديم الزمان ، وهذا ما وجد في الوثائق المحفوظة في ادابير وارشيف المحاكم ودواوين الاجهزة الحكومية في كل من مصوع وكرن وغيرها من المدن الارترية في حينها، والتى تشير بان كل المعاملات كانت تكتب باللغة العربية وتعود الى القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين ، هذه الشواهد وغيرها مثل النقوش الاثرية في جزيرة دهلك كبير على شواهد القبور لاسماء الموتى بالعربية وان تجد على مدخل المنازل عبارة ( ياداخل هذا الدار صلي على النبي المختار)، وعبارة (ادخلوها بسلام امنين).
لم تكن اللغة العربية وليدة صدفة او حديثة عهد كما يدعي البعض من من اغوته النزعات والاهواء ، بل كانت وسوف تظل لغة اصيلة بحكم الواقع والتاريخ والجغرافية، ولمزيد من التأكيد فان المستكشفين البرتقال عندما نزلوا في الشواطئ الارترية كان تفاهمهم مع السكان المحلين بالعربية عبر ترجمان وهى فترة ضاربة في القدم، وفي القرون القريبة كانت العربية لغة الديوان والمسجد والكنيسة في كل من ارتريا واثيوبيا ، فقد كان يتم تعميد الملوك والاباطرة في اثيوبيا وكذا الكهنة والقساوسة في كل من ارتريا واثيوبيا بواسطة كبير القساوسة الارتزوكس في الكنيسة الشرقية ومقرها مدينة الاسكندرية في جمهورية مصر العربية، وكانت تجري كل المراسم والطقوس الدينية باللغة العربية، وكانت كل الشارات الرسمية والاختام لاباطرة اثيوبيا بالعربية فكان الختم الرسمي للملك مكتوب علية (ملك ملوك الحبشة) بالعربية ، وقد ترجم الكتاب المقدس بالعربية وكان متداول في اثيوبيا وارتريا الحالية الى جانب الجئزية، وان اللباس الرسمي للرأس الولا احد القادة العسكرين الاثيوبين الذي غزى ارتريا في القرن التاسع عشر كان زيا عربيا كالذي نراه الان عند الخليجين في الجزيرة العربية، وان العملة التي كانت متداولة كانت تسمى (الريال ابو طيرا) والتي اشتق منها اسم (باطيرا) بلغة التقرينية، وهو دليل اخر ان التواصل الثقافي والتجاري كان اريحيا وبدون تكلف ولم يكن هناك تحسس ما نسمع ونشاهد اليوم.
ان اللغة العربية لغة اصيلة في ارتريا والى الابد مادم من انصارها من لايعترض على التقرينية قبولا بالثنائية، وبناءا على هذه المعطيات قرر الاباء المؤسسون لدولة ارتريا في بداية خمسينيات القرن الماضي ان تصبح العربية والتقرينية لغتا الدولة الرسميتين وهو عهد يجب ان يصان ، وان اى خرق في هذا العهد وغيره من العهود للاباء المؤسسين سوف تكون له عواقب وخيمة ليست في صالح البلاد والعباد ، وما يعزز حديثي هذا ما حدث في العام ١٩٥٨ م عندما الغى الاستعمار الاثيوبي اللغتين الرسميتين العربية والتقرينية وابدالهما بلغته الامهرية، اندلعت المظاهرات في معظم المدن الارترية احتجاجا من جميع فئات الشعب الارتري مطالبة بعودة لغتيهما الرسميتين وفق دستور
الحكومة الفدرالية، وصونا لذاك العهد التزمت الثورة الارترية في مرحلة الكفاح المسلح باعتماد اللغتين .

علي محمد صالح شوم
لندن - ٢٢/٠٣/٢٠٢١