منبر الحـــــوار

 

بقلم: علي محمد صالح
لندن
20 من أغسطس 2020

 

 

 

 
 
 

 

 بسم الله الرحمن الرحيم
أسئلة تتوسل للحصول على إجابة: جبهة التحرير نحروها أم انتحرت؟
 


يصادف شهر أغسطس الحالي الذكرى التاسعة والثلاثون لخروج جبهة التحرير الإرترية من ساحة القتال الإرتري (الميدان) كنتيجة نهائية للحروب الأهلية التي كان يدور رحاها بين فصيلي الثورة الإرترية في السبعينات وبداية الثمانينات القرن الماضي أي بين جبهة التجرير إرتريا وقوات التحرير الشعبية/الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا والتي تحالفت فيها الجبهة الشعبية مع الجبهة الشعبية لتحرير تغراي الإثيوبية (وياني) في نهايات الحرب الأهلية فأقصت تنظيم الجبهة من ساحة القتال للأبد.

هذا الشهر يعتبر ذكريات مؤلمة ومحزنة في مسيرة جبهة التحرير - التنظيم الوطني الطليعي والذي كان يعبر عن تطلعات وطموحات قطاع عريض من الشعب الإرتري، وفي لمحة بصر ليصبح في خبر كان ... هذا التنظيم الذي قدم تضحيات جسام وتمكن من هزيمة العدو الإثيوبي الغاصب في أكثر من مواجهة وحرر كثير من المدن وقرى إرترية في منتصف السبعينات.

إن خروج الجبهة من الساحة القتالية وبتلك الطريقة أمر في غاية الغرابة ومازال لغز يصعب فهمه وحله، هذا التنظيم الذي كان يشكّل قوى من حيث العدد والعتاد ما كان ليهزم بهذه السهولة مهما كانت قوى تحالف الشعبية والوياني وفي فترة وجيزة .. ورغم فضاحة الحدث إلا أنه لم تتناول هذه الهزيمة وهي تمثل حدث جلل في معترك تاريخ النضال الإرتري، إذ غيّرت مسار هذا التأريخ وانعكاساته في المدى القريب والبعيد – لم تتناول في دراسة تليق بحجم الكارثة حتى اللحظة، أكان ذلك من المهتمين والمؤرخين أو من قبل قيادات الجبهة إلا من مقالات أو لمم من الأحاديث هنا وهناك. وهذا يعتبر شيء مخجل تتحمل القيادات آن ذاك مسؤولية تاريخية للطريقة التي تجاهلت فيه هذه الهزيمة وستلاحقها اللعنة ما فتئت .. ونتيجة هذه الهزيمة كانت تبعثر قواعد التنظيم وعضويته ولم تسنح لتلك القاعدة الفرصة المواتية لمساءلة تلك القيادات التي فشلت في تحمل مسؤولياتها.

في هذا السياق أود أن أتحدث عن بعض المحطات بصدد هذا الأمر من خلال متابعتي:

في فبراير 1980 زارنا في دولة الكويت المناضل حامد آدم سليمان – عضو اللجنة التنفيذية ورئيس مكتب الاقتصاد في مهمة عمل، وسألته سؤالا مباشرا بأن هناك أقوال متداولة بوجود خلافات حادة بين أفراد القيادة وخاصة بين المناضلين عبد الله إدريس وإبراهيم توتيل وإبراهيم محمد علي وملاكي تخلي، فكان رده: لا توجد خلافات بالمستوى الذي يتصوره البعض، إن هذه مجرد شائعات مغرضة، ومن الطبيعي وجود خلافات بين المعنيين في العمل، وبسّط الأمر لدرجة عادية وحسب إفاضاته اعتبرتُ الأمر شيئا عاديا إلا أنه اتضح لي فيما بعد أن الواقع لم يكن كذلك.

في بداية شهر أغسطس من عام 1981 قدمت لنا دولة الكويت كميات من المواد الغذائية ((حمولة باخرة)) فسافرت إلى السودان لتكملة إجراءات استلام المساعدات، هذه الزيارة أتاحت لي الفرصة للقاء ببعض المسؤولين وكوادر الصف الأول للجبهة في مدينة كسلا السودانية، ومن خلال لقاءاتي ونقاشاتي اتضحت لي أمور كثيرة كانت تغيب عني، فقررت الذهاب إلى مقر القيادة داخل إرترية والتقيت مع المناضل أحمد محمد ناصر رئيس المجلس الثوري واللجنة التنفيذية للجبهة وتحدثت معه حول الأوضاع والتطورات بشكل مباشر وواضح، إلا أنه حاول أن يطمئني، وأن الأمور تسير للأحسن وأكد لي أن القيادة سوف تدعو قريبا لاجتماع المجلس الثوري وذلك متى ما هدأت الأوضاع، علما بأن المجلس الثوري لم يجتمع لقرابة عامين، كما أن هذه الزيارة أتاحت لي الفرصة للإلتقاء بعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية ومنهم المناضلين تسفاي دقيقة، إبراهيم توتيل وإبراهيم محمد علي .. التقيت بكل منهم على حدة وناقشت معهم بوضوح قضايا الخلاف، وأكدوا لي جميعهم بأنهم دعوا لعقد اجتماع المجلس الثوري لمناقشة التطورات العسكرية والميدانية وجميع الأمور العالقة، اعتبرت ذلك مؤشرا إيجابيا في معالجة القضايا بطريقة موضوعية ومسؤولة، وطلبت من المناضل أحمد ناصر أن يوفر لي سيارة للذهاب إلى الموقع الذي يتواجد به المناضل عبد الله إدريس، إلاّ أنه اعتذر وقال لي نحن في حالة استنفار ونتوقع هجوما في أي لحظة من قبل قوات الجبهة الشعبية وعبد الله إدريس موجود في منطقة تقوربا مما يصعب الذهاب إليه، ولهذا السبب لم أتمكن من مقابلة المناضل عبد الله إدريس.

وفي طريق عودتي من مقر القيادة قمت بزيارة خاطفة للدكتور جرجيس – عضو مكتب الاقتصاد - وأثناء تواجدي معه وصلته رسالة من القيادة تؤكد بأن الجبهة الشعبية قد بدأت هجومها في أماكن تواجد قوات جبهة التحرير، وبعد دخولي إلى كسلا بثلاثة أيام دخل جيش التحرير إلى الأراضي السودانية .. وكانت هزيمة نكراء.

في هذا السياق أود أن أذكر بعض الحقائق عن تلك المرحلة:

- في بداية عام 1980 تم عقد سيمينار لممثلي الجبهة في مختلف بلدان العالم وذلك في مقر العلاقات الخارجية للجبهة بدمشق – سوريا – حيث حضر السيمينار المناضلان أحمد ناصر وعبد الله إدريس بتكليف من اللجنة التنفيذية للبحث عن المساعدات العسكرية والمادية من الدول الصديقة .. أعضاء السيمينار كانوا يتساءلون: كيف ومع الوضع المتوتر في جبهات القتال بين التنظيمين – جبهة التحرير والجبهة الشعبية - يقوم رئيس التنظيم ورئيس المجلس العسكري بزيارات خارجية ويغادرون الساحة في تلك الظروف الحالكة!

- انتهز أعضاء اللجنة التنفيذية: المناضلون إبراهيم توتيل وإبراهيم محمد علي وملاكي تخلي غياب رئيس المكتب العسكري في الخارج والغوا مكتب الأركان، وكلفوا أعضاءه في مهامات أخرى، وهذا مؤشر آخر يشير إلى عمق الخلافات التي كانت سائدة بين أعضاء حزب العمل الذي كان يتحكم على مفاصل التنظيم، وفي هذه الأثناء بدأت المعارك مع الجبهة الشعبية مما اضطر المناضل عبد الله إدريس للرجوع إلى إرتريا.

- ومن ضمن ممارسة حزب العمل الخاطئة كانت إقصاء المناضل حروي تلا بايرو في المؤتمر الثاني للجبهة وهذا كان خطأً قاتلا، بالإضافة إلى ذلك القيام بتصفية عناصر الفلول. وفي نشرة داخلية لحزب العمل صدر مقال مضمونه "العمل على كسب العناصر الديمقراطية التي لم نستطع كسبها في الماضي لأسباب ذاتية وموضوعية، وضمهم للعمل الديمقراطي ((أي حزب العمل)) والعمل على إبعاد العناصر اليمينية ذات الصبغة الإسلامية من العمل الوطني في أقصى وقت ممكن، وتأكيدا لذلك فقد تم اعتقال المناضلين الآنية أسماءهم:
1) محمد إسماعيل عبده؛
2) إبراهيم إدريس محمد آدم؛
3) سليمان موسى الحاج؛
4) عثمان إزاز؛
5) محمد حامد عشكراي؛
6) عبده إدريس؛
7) جعفر علي أسد؛
8) حامد تركى
ضمن الاسلامين

هذه الممارسات وغيرها، والخلافات الداخلية بين قيادات حزب العمل هي التي أضعفت التنظيم بالإضافة إلى التجاوزات في العمل السياسي، حيث قيادات حزب العمل كانت تقوم بزيارات إلى بعض الدول الإشتراكية مثل الاتحاد السوفيتي والمانيا الشرقية وبعض الأحزاب اليسارية، متجاهلة دول الجوار مثل السودان والسعودية والدول العربية التي كانت تدعم الثورة الإرترية وبالأخص الجبهة .. هذه الدول كانت تبدي استياءها من تصرفات قيادة التنظيم، والولايات المتحدة الأمريكية كانت تتابع تلك التحركات بشيء من الاهتمام وعن كثب. كما أن التنظيمين قوات التحرير الشعبية والجبهة الشعبية استغلا تلك التصرفات الغير الرشيدة من قبل قيادات الجبهة لصالحهم في المنطقة.

- أود أن أشير هنا إلى نبؤة إسياس أفورقي وذلك في عام 1978، إذ قال: "جبهة كم تنكوبت تتغليلا نسودان كتأتو إيا" أي ما معناه أن جبهة التحرير سوف تلف مثل البرش " فراش من السعف" وستدخل السودان، وهذا ما حصل .. هذه النبؤة لم تأتي من الفراغ لأن تنظيم الجبهة الشعبية كان مخترقا جبهة التحرير للعمق، وأعتقد هذا كان أحد العوامل الحاسمة في انتصار الجبهة الشعبة على الجبهة، وإلا كيف نفسر أن جيش التحرير الجرار ومن عمق دنكاليا وحتى الحدود السودانية ينقاد من غير مقاومة تذكر وينسحب من كل مواقه، وفي نهاية المطاف يستسلم ..

- القيادات العسكرية وكذلك السياسية عليها مسؤولية تاريخية سواء كانوا أفرادا أم جماعات عن هذه الهزيمة، وعلى حسب اطلاعي لأدبيات الجبهة ومتابعتي لها لم يصدر أي بيان أو توضيح من قبل القيادة عن هذه الهزيمة .

- المناضل إبراهيم محمد علي أصدر كتابا تحت عنوان "مسيرة جبهة التحرير الإرترية بداية ونهاية" وكذلك المناضل عبد الله إدريس أصدر كتبا تحت عنوان "أضواء عن تجربة جبهة التحرير الإرترية، ولم يتناولا أسباب هزيمة الجبهة ودخولها السودان، وهما من القيادات الأساسية للجبهة. والآن القيادات التي على قيد الحياة عليها مسؤولية كبيرة لتوضح ما تملك من الحقائق.

جيش التحرير بعد دخوله إلى الا راضي السودانية جرده الجيش السوداني وكان ذلك فى عهد الرئيس جعفر النميري من جميع أسلحته ماعدا مجموعة بقيادة المناضل عبدالله إدريس والمناضل محمد حامد تمساح، رفضوا تسليم أسلحتهم ودخلوا إلى الأراضي الأرترية أما الجيش الجرار بقى فى منطقة( كركون وتهداى) يخفي حنين..

خلاصة:
لاشك أن الحرب الأهلية تعتبر العامل المباشر في هزيمة الجبهة، إلا أن زعمي، أن العامل الحقيقي للهزيمة هو تآكل الجبهة من الداخل وكذلك ممارسة حزب العمل اللامسؤولة، وتقديم مسلحة الحزب والأيديولجية على مسلحة الوطن والتنظيم، ولذلك هذه التساؤلات مازالت حية وأسئلة تتوسل للحصول على إجابة، هل الجبهة انتحرت أم نحروها؟؟ .. ولقد آن الأوان لتمليك الحقائق للشعب ومساءلة كل من تسبّب في تدمير الجبهة ومعها تدميركل الطموحات والأماني التي كان يحلم بها الشعب الإرتري ليقبع تحت وطأة أسياس وزمرته ويعاني الأمرّين.

بقلم: علي محمد صالح
لندن
20 من أغسطس 2020