منبر الحـــــوار

 

بقلم/
محمد علي حامد ( ابوزينب )
الثلاثون من ذي الحجة 1442
 

2021/08/07

 
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

همهمات هجرية
 

 


مابين عام هجري منصرم وآخر مقبل ينتاب الأنسان الكثير من الشعور والإحساس، وهو لا يدري هل كان ذاك العام خصما عليه سلبا أو إضافة له إيجابا ، فإن رأس المال الحقيقي للإنسان فى هذه الدنيا هو الزمن فهل كان زرعنا واستثمارنا دائن أم مدين.؟؟
وعلى مستوى الأمة الإسلامية جمعاء كان عاما حافلا بالتعرجان والمطبات والتارجحات غلب عليها الجانب السلبي الغامض.
فى غفله من الزمن وتتايع وتقارب الأزمان ودعنا عام هجري (1442) واطل علينا أخر جديد (1443) ويكاد المرء فى حيرة وذهول من أمره في السرعة الفائقة والصاروخية العجيبة لانقضاء العام،لكن لاعجب إنه تسارع أخر الزمان فاليوم كالساعة والأسبوع كاليوم والشهر كالاسبوع والسنة كالشهر.
لقد كانت هنالك الأحداث والدروس والعبر والعظات والعبرات فى كل مراحله، وكثرة فيه الشرور والمصائب خاصة فى عالمنا الإسلامي والعربي حيث فقدت فيه الكثير من الأرواح وصعدت الي باريها وفي كل خير وهذا للمؤمن فقط.

كان عاما قريب الأطوار والمتقلبات طغي عليه أجواء من الضبابية والغموض بسبب الجائحة العالمية (كورونا ) (سلم المولي عز وجل الإنسانية جمعاء) التي اجتاحت أهل كوكب الأرض جميعا وبلا استثناء ومن غير تمييز فكانت العدالة السماوية التي جعلت المجتمع الإنساني على حد سواء، يخيم عليه البؤس ويجعل منهم سواسية فقد اعتقل الذى اعتقل غيره وسجن الطغاة الذين سجنوا غيرهم وسحل الذين سحلوا العباد والبلاد فكل واحد ذاق الكأس الذى اذاقه غيره من حيث يدري ولايدري فالأيام دول، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وسبحان الله و تعالى الذي يجعل سره فى أضعف خلقه.

كانت الهجرة النبوية الشريفة فى مثل هذه الايام المباركة بعد عشرة أعوام من الحصار والمطاردة والتنكيل بخير البشرية خير من مشى على البسيطة ووطاة قدماه الأرض منذ آدم عليه السلام وحتي يبعث الله سبحانه وتعالى الخلائق يوم البعث والنشور.
نعم لقد خرج الحبيب صلى الله عليه وسلم من أحب بقاع الأرض لقلبه وفارق مراتع الصبا والأهل والأحباب.
وما اشبه حالنا وحال الأمة اليوم بالأمس من المعاناة والتنكيل والاعتقالات التعسفية والاختفات القسرية وغيرها.وكان التأريخ يعيد نفسه وإن أختلفت السيناريوهات والمخرجات لهذه الحقبة الزمنية الأكثر مضاضة والما على النفس.
لكن كانت الهجرة النبوية فتحا مبينا للامة الاسلامية حيث بدأت معالم وتأسيس الدولة الإسلامية فى (طيبة) الطيبة والتي كانت مشكاة النور والهدي بتلاحم الانصار والمهاجرين فى بوتقة وخندق واحد محققين شعار إنما المؤمنين إخوة ولافضل على انصارى ومهاجري وعربي وعجمي إلا بالتقوى.
ومن نور المدينة المنورة شاع الشعاع لكوكب الأرض واضاء النور إلى آفاق الكون، وأشرقت الأرض بنور ربها فكانت الدولة الإسلامية التي عمت القرى والحضر ووصلت جذورها الشرق والغرب لتعيش المعمورة كلها بالأمن والأمان وتسود فيها القيم السماوية التي التحمت بوجدان الأنسان في أروع قيمة عرفتها البشرية، وكيف لا والنور الهادي يهتدي به الجميع والقدوات العملية تسير على الأرض وامام الكل فحقا وصدقا صلاح الراعي من صلاح الرعية.

ونحن نعيش على مقربة وعتبات منتصف القرن الخامس عشر الهجري لابد من العودة إلى منابع الأصول الثابتة (الكتاب والسنة ) لجني الثمار الذى كانت فى العصور الذهبية المميزة لهذه الحضارة الاسلامية والإنسانية التي لبت كل الرغبات البشرية من الضروريات والحاجيات والتحسينيات وغيرها ولكل زمان ومكان.
حقيقة هنالك سؤال محرج يحتاج الوقوف عنده بكل مصداقية وشفافية وتجرد مع النفس يفرض نفسه على الجميع ولابد منه كم ذهب وانقضى من العمر؟وكم تبقى؟ وهل الباقى أكثر أم أقل؟
صحيح سؤال فيه الكثير من الحرج ونحاول نتفاداه أو نتناساه بطريقة أو أخرى وهذه هي ربما الفطرة البشرية التي تفر وتهرب من واقعها، لكن لابد من الجرد السنوي لكل شئ فى هذه الحياة والعمر أكيد أولى وأهم من البضاعة والحسابات البنكية وميزانيات الدول وميزان مدفوعاتها وعجزها وربحها التي تحرص عليها سنويا.
فكل من بلغ الأربعون وهو سن الرشد فقد دخل فى أسواق القيامة، والخمسون فى زحمة السوق واعذر الله امرؤ بلغه الستون أما أصحاب السبعون فهم من المعمرون جعلنا المولى عز وجل من الذين طال عمرهم وحسن عملهم وأحسن ختام المسلمين جميعا.
ويجب أن تضع نصب اعيننا حديث المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( اعمار امتى مابين الستين والسبعين وقليل من يتجاوزهن ).
هذه الأمة بالرغم من قصر اجالها واعمارها مقارنة بالامم السابقة لكن طرح فيها البركة وهنالك نفحات فى الدهر وعبادات اجورها تفوق الخيال والواقع ولابد للمؤمنين أن يتعرض لها ويأخذ منها النصيب الوافر.
ولنا فى ذلك الأمثلة الحية فى تاريخ السلف الصالح وصاحب الأربعون النووية خير مثال وهو الذى غادر مبكرا جدا لكن مازال الكل يذكره وينهل من علومه والباب يطول في طرق وسرد النماذج التي تحي بيننا بعلمها وعملها المفيد حتي اليوم وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

استقلال الأوقات وعدم التفريط فيها من أوجب الواجبات للإنسان العاقل اللبيب واغتنامها خاصة الصحة والفراغ فهما النعمتان المغبون فيهما الكثير من العباد.
فى خضم الأوضاع والظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية من الضعف والهوان نكاد لانذكر من العام الهجري إلا مواسم ومناسبات مثل شهر رمضان وموسم الحج، وهذا لعمري يحتاج إلى وقفة بل وقفات حتي لا ينسى الجيل القادم هذآ الميراث والتراث والحضارة الإسلامية العريقة والتى يشكل مضمونها وعنوانها هذا العام الهجرى الذى غير مجرى التاريخ والإنسانية كلها.

إستقبال العام الجديد 1443 يبدأ بالتوبة والاستغفار والعودة إلى الله سبحانه وتعالى فما أحوج الأمة إلى توبة نصوحة صادقة ليرفع منها هذه الغمة وتعود إلى الريادة والقيادة وتحقق وتستحق الخلافة فى الأرض.
وكذلك يجب تناسي أى مسميات وقوميات وطوائف وغيرها لاتمد للإسلام بصلة ويكون الشعار يا اخي فى كل مكان وبلد انت مني وانا منك كروح واحد فى جسد.
الوحدة والتعاون والتعاضد والتضامن والتكامل والتكافل هو المظلة الجامعة للأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها.
وما تزال الهموم والهمهمات قائمة فى ظل غياب انشغال البعض بالأمور الانصرافية والافق والنظرة الضيقة وإهمال المصير المشترك لبناء وحدة حقيقية تتوحد فيها الأمة لتجعل منها قوة فى كل المجالات الحياتية وهي تمتلك كل المقومات الأساسية لقيادة الامم إلى بر الأمان فى الدارين وتعمير الكون.

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبكم وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.
فاليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل.

اللهم اجعله عام خير وبركة ووحدة وتمكين وامن وامان وسلم وسلام .

( وعام هجري مبارك على الجميع )