منبر الحـــــوار

17.11.2020
بقلم / محمود طاهر
سويسرا / زيوريخ
Mahmoudtaheir71@gmail.com
 
 


صراع النفوذ الدموي في إثيوبيا، إلى أين؟
 


إن الحرب المستعرة بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وحكومة إقليم تجراي، والتي دخلت أسبوعها الثاني جعلتنا كإرتريين نستنفر إلى جانب أحد طرفي الصراع في الدفاع والتبرير، مؤيدو النظام يعتبرون هذه الحرب هي حربهم للتخلص من تجراي تحت دعاوي إعادة بادمي والمناطق التي تحتلها تجراي فهؤلاء بوصلتهم حيثما ولى الديكتاتور.
الطرف الآخر وهو المعارضة الإرترية فهنا حدث ارتباك شديد بلغ عند البعض حد التطرف، فالبعض يرى في هذه فرصة أيضا للتخلص من أسياس، وكأن حكومة التجراي هي شركة مرتزقة كفاغنر أو بلاكووتر تتقاضي المبالغ مقابل الخدمة.
أولا علينا ان نرفض الحرب جملة وتفصيلا، لأننا لسنا في مباراة لكرة قدم يهنئ فيها المهزوم المنتصر، بل هي إهدار دماء بريئة وتدمير مدن على رؤوس ساكنها، وهنا على الإنسان ان يتحلى بقدر من المسؤولية، وما حدث في ماي خضرا للمواطنيين الأبرياء من قتل وذبح بالسكاكين والفؤوس بغض النظر عن من قام بذلك، يؤكد على ان أكثر ضحايا الحروب هم من المواطنين العزل، وأن الحرب هكذا تكون نتائجها، مهما كانت دوافعها .
فبعضنا أخذ موقفه وموقعه الى جانب حكومة التجراي، ودافع عن قصف مطار أسمرا باعتبار ان ذلك يأتي كرد فعل على مشاركة النظام الى جانب الحكومة الفيدرالية في الحرب، وهذا لا يجب ان يصبح مقياسا في اتخاذ المواقف، علينا كمعارضة ان نرفض قصف المواقع اي كانت عسكرية أم مدنية داخل المدن من الطرفين، وهذا موقف والتزام أخلاقي واجب علينا كمعارضة اتخاذه، وهذا لا يعني اننا نقبل او نساند النظام في جرائمه، لكن المسؤولية الوطنية تقتضي ان نرفض وندين كل ما يمس الوطن وشعبه ومقدراته، وهذا لا ينتقص من قدر الأشخاص او التنظيمات، بل بالعكس يعزز من فرص إيصال رأي المعارضة الى الشعب في الداخل، فالكل الآن يتابع ما يحدث رغما عن رداءة الاتصالات، هنا معركة وعي يجب على المعارضة الاستثمار فيها بدل اخذ مواقف متشنجة بدواعي معارضة النظام.
ثانياً كيف ننظر كمعارضة الى نتائج الصراع رغم مرارته. البعض منا يريد سقوط الديكتاتور بأي وسيلة وطريقة وثمن ولو كان من على دبابة تجراوية، وكأن قضيتنا هي ثار شخصي يستحل فيه المحرم (الغاية تبرر الوسيلة) والبعض لا يريد ذلك ولكن يخشى من الجهر برأيه خشية وصفه بأنه أصبح مواليا للديكتاتور.
انتصار تجراي في الحرب يعني باختصار اقتطاع نصف إرتريا وضمها الى تجراي وتحقيق حلم تجراي الكبرى، وهذه ليست رواية مختلقة، بل هي حقيقة يعرفها الكثير وفق خريطة أعلنتها في العام ١٩٧٦م و مرة أخرى بعد حكمها لإثيوبيا في العام ١٩٩٧م، وهذا ما أكده دكتور عندي برهام ولدي قرقيس في لقائه مع بي بي سي تحرينية بتاريخ ٢٨ أغسطس من العام الجاري، إضافة الى ظهور أبواق إرترية معروف ولائها لتجراي، تدعوا إلى ذلك صراحة ومن على قنوات الإقليم، اي ان مخاطر بقاء إرتريا بحدودها الحالية سيصبح في خطر كبير.
في الجانب الآخر انتصار الحكومة الفيدرالية هو خطر آخر أيضاً،يجب عدم الاستهانة به، اولا يقوي موقف اسياس ضد شعبه وسيطلق يده اكثر من ذي قبل في إذلال الشعب. ثانيا يقوي موقف القوميين الامهرا والذين يمثلون الآن القوة الضاربة في هذه الحرب، لسببين للعداء التاريخي بين التجراي والامهرا خاصة بعد إسقاط نظام منجستو، إضافة الى اقتطاع أراضي من الامهرا وضمها لتجراي وهي التي شهدت الفترة الماضية حروب طاحنة (ولقايت) مناطق حومرا، ماي خضرا، ريان، إدريس، وما يجعل المواجهة محتدمة بين الطرفين طول الحدود بينهم، من اقليم غوند الى اقليم ولو،وهؤلاء لن يهدأ لهم بال حتى إعادة إرتريا إلى إثيوبيا من جديد، وقد يرى الناس بوادر ذلك في العلاقات الحميمية بين الدكتاتور اسياس وتلميذه أبي أحمد، وحديث إنشاء قوات بحرية للجيش الإثيوبي لدولة غير شاطئية يثير الكثير من الشكوك والمخاطر في ثناياه .
علينا ان نعي ان الديكتاتور اسياس هو مشكلتنا نحن الإرتريين في المقام الأول، ولابد من ان نجد لها حل نتفق عليه جميعا، ومن ثم لا بأس من قبول مساعدة الآخرين لنا في ذلك، أما العمل في مشاريع الآخرين او التصفيق والوقوف كمشجعين لأحد الأطراف كما هو الآن سيضر بقضية شعبنا العادلة.
فلو كانوا التجراي يريدون إسقاط اسياس او بمنطق الحالمين بمساعدة المعارضة في تقلد مقادير السلطة في أسمرا، فإن الفرصة كانت مواتية عند ما كانوا الآمر الناهي في منطقة الأفريقي، وكانت المعارضة الإرترية في أحسن حالاتها، اما اليوم فإن الوضع قد اختلف في إثيوبيا والتحالفات الإقليمية في المنطقة أيضاً، بدخول اطراف آخرى من خارج الإقليم مما يزيد تعقيد الصراعات في المنطقة.
في الختام علينا كمعارضة ان نتبنى استراتيجية وطنية جديدة في مواجهة النظام تتناسب والتغيرات الحاصلة في المنطقة، وهذا يتطلب إرساء ثقافة الاختلاف، واحترام التنوع الاثني والديني الموجود في البلاد، لكي نوصد الباب على كل الذين يتخذون من هذه الاختلافات مطية في توسيع الفجوة بين المكونات.