منبر الحـــــوار

بقلم / علي محمد صالح
لندن
21 أكتوبر 2020

 

 
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

وداعا أم صالح فإن موعدنا إن شاء الله الجنة
 


إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ... إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أم صالح لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ... إنا لله وإنا إليه راجعون...

لقد دأبتُ أن أكتب وباستمرار كلما رحل عن دنيانا أحد المناضلين من الرعيل الأول أو من الشخصيات التي لها حق نحونا؛ معددا في مناقبه ... أذكر محاسنه وأترحم عليه، أداءً لواجبي نحوه، إلا أنني هذه المرة اختلف الأمر معي فإنني أنا المكلوم أضمد جرحي بفقد أعز إنسانة في حياتي ...

لقد انتقلت إلى الرفيق الأعلى أول أمس الإثنين الموافق 19 من أكتوبر 2020 أم أولادي ورفيقة حياتي السيدة العزيزة مريم محمود حمد دين بعد حياة زوجية حافلة وغنية بذكريات جميلة ومتنوعة في رحلة امتدت لأكثر من خمس عقود منذ زواجنا الميمون في الثامن من يناير عام 1961م في مدنية كرن ... فإذا كان عام 1961 بداية زرع سنبل الحرية للشعب الإرتري التي تم قطافها بعد ثلاثة عقود فإن لي كان موعد خاص مع 61، بزرعي سنبلي الخاص حيث زواجي المبارك من أم صالح والذي أثمر ثلاث أبناء وثلاث بنات – محمد صالح – وآمال - وعبد الرحمن – وانتصار – وناصر – وزهور - ... ولو كان القدر أمهلنا اقل من ثلاثة أشهر لاحتفلنا بالعيد الستين لزواجنا ... إلا أنني لا أقول إلا يرضي ربي، قدر الله وما شاء فعل ... حكمه نافذ ونقبله بقلوب راضية...

أم صالح التي شاطرتني المسؤولية كاملة وكانت رفيقة دربي بحق وحقيقة، كانت خير معين لي، وبحكم نشاطاتي السياسية التي كانت تعرضني للاعتقالات المتكررة كانت تتحمل الأعباء لوحدها في غيابي بل كانت تقوم بمساعدة أهلي – أي الوالدة والإخوة والأخوات في غيابي – وكذلك تقوم بإخفاء جميع الوثائق السرية التي تكون في منزلنا عندما أتعرض للاعتقال تحسبا لأي طارئ أو مداهمة للبيت، بل كانت يتعدى دورها في استقبال الفدائيين وتقديم الطعام والشراب لهم وكان ذلك ديدن كل امرأة إرترية، وأنني كم فخور وشكور أن منحني الله أم صالح تقاسمني الحلو والمر في حياتي التي كانت مليئة بكثير من المنعرجات. فكانت خير زوجة صالحة، إن نظرت إليها سرتني، وإن غبت عنها حفظتني.

اثنان من أبنائنا قد ولدا وأنا في السجن عام 1962 وعام 1965، وكذلك عندما لجأنا إلى السودان وبحكم عملي كنت على سفر بالاستمرار فلم أتمكن من ولادة أحد أبنائنا في كسلا عام 1971... فتحملت وتحمل مشقات الحمل والمخاض لوحدها. وعلاوة عن الغربة واللجوء كانت أيضا تستقبل في منزلها العامر بعض المناضلين الذين كانوا يقومون بزيارة كسلا للعلاج.

إن دور أم صالح الوطني لم ينقطع بمغادرتنا إرتريا بل استمر حتى في المهجر، وعندما تم لم شملنا في دمشق عام 1973، والتحقت بي أسرتي هناك في الفترة التي كنت ممثلا للثورة الإرترية في سوريا كانت تستضيف في بيتنا المتواضع العامر بابتسامتها وقلبها الكبير أبنائنا من الطلبة والطالبات الإرتريين وتعاملهم كأبنائها.

وفي الفترة التي قضيناها في سوريا تمكنت من إقامة علاقات جيدة مع الجيران وأصدقاء أبناءها من الطلبة السوريين كما كانت في لندن من رواد مسجد المنار تتحلق في دروسه القرآنية ... إنني مدين لها بالكثير للدور الكبير الذي لعبته في تربية أبنائنا ومواكبة دراستهم حتى أكملوا مراحلهم الجامعية.

رحم الله رفيقة دربي وأم أولادي أم صالح – صاحبة الوجه البشوش وروح عالية وتواضع جم ... تحملت في أيامها الأخيرة المرض الذي ألم بها ولم يمهلها طويلا بإيمان قوي وقلب راض وصبر ومثابرة ... رحمها الله رحمة واسعة وغفر لها وأسكنها الفراديس العلا من الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا ورزقني الله وأبنائي جميل الصبر والسلوان.

وفي الختام أود أن أتقدم أصالة عن نفسي ونيابة عن أفراد أسرتي بالشكر الجزيل لجميع الأحباب والأصدقاء من الإخوة والأخوات والأبناء في مختلف أنحاء المعمورة والذين تواصلوا معنا لأداء واجب العزاء ومواساتنا في مصيبتنا ... جزاكم الله خيرا وشكر الله سعيكم جميعا ...

علي محمد صالح
لندن
21 أكتوبر 2020