منبر الحـــــوار

بقلم  / علي محمد صالح
لندن
1 من أكتوبر 2020

 

 

 

 
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

فقد جلل
 


فجع الشعب الكويتي وكل محبي الكويت يوم الثلاثاء الماضي الموافق 29 سبتمبر 2020 في وفاة العاهل الكويتي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - قائد العمل الإنساني - بعد مسيرة حافلة في العمل السياسي الوطني والدبلوماسي قاربت من سبع عقود. فكان الأمير عضوا في أول عمل تنفيذي كُون في الكويت في عام 1954 - ما قبل استقلال - حيث عُيّن عضواً في اللجنة التنفيذية العليا التي عهد إليها تنظيم مصالح الحكومة والدوائر الرسمية. ثم عين عام 1955 رئيساً لدائرة الشؤون الاجتماعية والعمل. وبعد الاستقلال عام 1961 - السنة التي فجر فيها القائد حامد إدريس عواتي الكفاح الإرتري المسلح في موطني - تقلد الشيخ صباح وزارة الإعلام ثم وزارة الخارجية التي أدارها بكل حنكة ودبلوماسية لأربعة عقود متعاقبة ويعتبر أحد الذين تقلدوا هذا المنصب لأطول فترة في العالم إضافة للأمير سعود الفيصل. وهو أول من رفع علم الكويت فوق مبنى هيئة الأمم المتحدة لدى الموافقة على الانضمام إليها عام 1963. وفي فترة ريادته للدبلوماسية الكويتية كان له القدح المعلى في المنطقة في التوسط ورأب الصدع بين الأشقاء والجيران وأذكر هنا بعض النماذج لدوره الفاعل في إطفاء الشرارات وحل النزاعات:
إذ ساهم في إبرام اتفاق السلام بين شطري اليمن لوقف الحرب الأهلية بينهما وذلك في عام 1972، كما أنه تولى وساطة ناجحة بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن لتخفيف حدة التوتر بينهما في عام 1980. وقبل ذلك شارك في جهود تسوية الصراع المسلح الذي اندلع بين الجيش الأردني وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية عام 1970، كما كان له دور في حل النزاع بين باكستان وإقليم البنغال عام 1971.
للشيخ صباح مواقف مشرفة نحو القضية الإرترية، حيث كان للدبلوماسية الكويتية الموقف الواضح والجلي حيال القضية الإرترية واعتبرتها قضية عادلة. ومن أهم موقف الأمير الراحل كان تبنيه مناقشة القضية الإرترية في احدى جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة وعرضها في المحافل الدولية كقضية عادلة. هذا الموقف الشجاع أضاف بريقا للقضية وزاد البعد الدولي إلى بعدها الإقليمي، بالإضافة إلى ذلك كان يستقبل قيادات الثورة الإرترية اثناء زياراتهم لدولة الكويت وكان يستمع إليهم باهتمام ويؤكد مجددا على موقف الكويت الملتزم تجاه القضية.
ومن هذا المنطلق كانت دولة الكويت تقدم المساعدات في مختلف المجالات الهامة، ومنها الدعم المادي والعيني والعسكري والثقافي. كما قدمت لعدد من أبناء اللاجئين الإرتريين المنح الدراسية في مختلف المراحل وتخرج عدد لا يستهان به من الإرتريين في مختلف التخصصات من المعاهد العليا والجامعة الكويتية. بالإضافة إلى معالجة جرحى حرب التحرير، كما أن العمال الإرتريين كانوا معفيين من قانون الإقامة.
الكويت تحت قيادة الشيخ صباح حافظت على مبدأ الحياد ودعم المبادرات الإنسانية في حل الأزمات والنزاعات في معظم المناطق المتصارعة. ومنذ أن ظهرت الأزمة الحالية بين دولة قطر والدول العربية الأربعة تزعم العمل الدبلوماسي وبذل ما بوسعه من جهد لسحب فتيل الصراع. وبرز دور الشيخ صباح جليا في وساطة مجلس التعاون الخليجي، وكان يسعى من أجل إعادة وحدة الصف الخليجي. وفي عهد الفقيد شهدت الكويت طفرة اقتصادية وحركة بناء غير عادية للبنية التحتية بشكل عصري والمدينة الحديثة، وإنني على ثقة تامة بأن الشعب الكويتي سيواصل المسيرة في خط الفقيد وفاءً وتقديراً لمكانته الخاصة لدي أبناء الكويت.

فالإنسان مواقف وكلنا نرحل عن هذه الدنيا ولكن السيرة التي نتركها هي التي تذكرنا بها الأجيال المتعاقبة وللشيخ تاريخ مليء بقيم إنسانية وذكرى عطرة ... تاريخ ناصع البياض شيده بعرقه في مسيرته التي قاربت من سبعين عام فكان أمير العطاء والوفاء ... والنخوة والإباء ... فقيدنا كانت له مكانة خاصة لدي الجميع من خلال مواقفه السياسية والإنسانية، ونحن في إرترية سنفقده ... سنفقد فيه مناصرته للضعيف ووقوفه مع المستضعفين ... سنفقد فيه شخصيته الطيبة المتواضعة ... ونشارك إخواننا وأشقاءنا في الكويت الفقد الجلل ... ففقده في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة فقد لا يعوض ... ندعوا له بالرحمة والمغفرة وأن يتقبله المولى عز وجل قبولا حسنا وأن يجعل جميع مساعيه الخيرة في ميزان حسناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا
وإنا لله وإنا إليه راجعون

علي محمد صالح

لندن

1 من أكتوبر 2020