منبر الحـــــوار

 

بقلم / حامد صالح
28/2/2008

ارشيف عونا
 

 

قِصَّـــةُ شَعَب

ظللت متلهفا ومنذ أن علمت بنبأ تدشين البث الإعلامي للمعارضة الارترية عبر التلفزيون الأثيوبي في وقت مقتطع من برامجه بقدر نصف ساعة لمدة أربعة أيام: يومان باللغة العربية ويومان بالتجرنية ، وظللت أسعى للحصول على فرصة المشاهدة لهذا الحدث الجديد ، وتحقيقا لتلك الرغبة صرت أتحين الفرصة المواتية، وقد كنت ذات يوم في زيارة لأحد الأصدقاء الأعزاء فطلبت منه "ملحا" أن يصوب الريموت نحو قناة أثيوبيا الفضائية قبل أن يحين البث بنحو نصف ساعة حرصا في المتابعة واستعداد لتلقي البث " الحدث الإعلامي الكبير " >>>>

 
 
 

 

قِصَّـــةُ شَعَب
الحلقة (2)

(المرأة الارترية)


مدخل:

إننا نريد من قناة المعارضة أن تبتدر الحديث عن مأساة شعبنا التي طالت كل فئاته ، تحكيها موزعة على السنين والأيام فصولا ومشاهد ، وتعطي مشاهدها العزيز نبذة عن تلك القصة ، تحكيها بعيون تغرورق دمعا وصوت جهوري عال وحنجرة مجهوشة بعبرة ، حتى نطل من خلال الشاشة نشكو ظلم الطاغية ونفضح أعماله ، نبصر شعبنا ونحثه على الانتفاضة والتصدي والثورة ، ونعده بالفجر المشرق القريب القريب ، نطل من خلالها لنبشر بمستقبل واعد وحكم راشد يعيد للمأسور حريته وللسجين انطلاقته ، وللشباب طموحه في الترقي والتعلم ، وللفتاة أحلامها في مستقبل أسري واجتماعي رائع ، نطل عبر الشاشة نعرف بأنفسنا وأحزابنا ومنظماتنا وقادة أحزابنا ، نعرف ببرامجنا وأهدافنا في التحرر والحكم الديمقراطي الرشيد وتبادل السلطة السلمي، الأمر الذي لا يحتاج إلى كثير إعداد أو فترة بث تجريبي أو حتى دعاية إعلامية أو إعلانية . ذلك لأن الأحزاب المنضوية تحت مظلة التحالف ليست وليدة اللحظة وإنما لها من العراقة والخبرة ما يمكنها أن تغطي أخبار البلاد من أول يوم تستلم فيه القناة فإلى متى الإعلان ؟ وإلى متى الضعف الإعلامي؟

قصة البنت والمرأة الارترية :

قامت المرأة الارترية إبان الكفاح المسلح بدور عظيم لمناصرة ومؤازرة الجندي الارتري ، وتحملت من جراء ذلك ما لم يتحمله الرجل فقد تحملت دور الرجل والمرأة في آن واحد ، في زراعة الأرض ورعاية الأبناء واستضافة المقاتلين والسهر على خدمتهم ، تحمل على ظهرها المثقل أصلا بهموم الحياة وغياب الرجل، تحمل عليه الماء والحطب لأولئك البواسل من الجرحى والمعاقين ، وهي في كل ذلك تستشرف المستقبل الزاهر الذي سيعيد إليها حريتها وكرامتها ويعيد إليها "الرجل" أبا وزوجا وابنا والذي افتقدته وهي في أمس الحاجة إليه وتحملت بدله كل مسئولياته داخل البيت وخارجه ، ولم تكتف بذلك بل عندما انخرطت في صفوف الجيش مقاتلة مناضلة - وبظلم من أولئك الذين اقتادوها عنوة ولم يقدروا ما تقوم به خلف المقاتلين من رعاية الأبناء وزراعة الأرض ورعاية الأموال بل ومساندة المقاتلين - أقول عندما انضمت مكرهة إلى الجيش لم تكن بتلك التي تجبن عند اللقاء بل كانت اصدق تعبير عن الوطنية الحقة - ولست هنا بصدد تقييم مشاركتها وآثاره على مستقبلها ومستقبل الأسرة في المجتمع الارتري وما نتج عن ذلك من تشوهات اجتماعية وشروخ عميقة في جدران البيت الارتري المحافظ – فكانت مقدامة باسلة يدفعها شوقها للحرية ، وما إن وضعت الحرب أوزارها وخرج العدو الأثيوبي من البلاد وجدت المرأة نفسها أمام نظرتين سلبيتين :

1 - نظرة سلبية من قبل المجتمع الذي اعتبرها شيئا مختلفا عن البنت الارترية ، فلم يتقبلها قبولا يسهل من اندماجها في النسيج الاجتماعي فكان التعامل معها سطحيا والعلاقة معها حذرة .

2 - نظرة أخرى أكثر سلبية من رفقائها المجندين الذين تجاهلوها تمام التجاهل عندما أرادوا تكوين أسر وبيوت ، فلم تكن المناضلة العائدة من ساحات الحرب خيارا لأي واحد منهم أو من غيرهم من الرجال .

ومن هنا نجدها قد سلكت مسالك مختلفة في الهجرة للعمل بأزهد الأجور والانصراف لبعض الممارسات والمهن الأخرى التي لا تليق بالبنت الارترية التي ناضلت وقاتلت وتحملت المشاق في سبيل تحرير الشعب الارتري .

وأسهمت الجبهة الشعبية ....... منذ أن كانت تنظيما مقاتلا في الساحة وبعد أن انفردت بالحكم في ارتريا أسهمت في ظلم البنت الارترية وحملتها من المعاناة والمآسي ما لا تطيق ، وبعد التحرير سرحت أعدادا كبيرة منهن دون برنامج يساعدهن على تجاوز محنتهن التي صنعتها الجبهة الشعبية وفاقمت من هولها هي أيضا ، وما حدث ويحدث للبنت الارترية على يد الجبهة الشعبية في مرحلة النضال وفي معسكر ساوا "سيئ السمعة" يوضح بجلاء هدف الشعبية من إشراك المرأة وتجنيدها الأمر الذي يمكن تناوله في موضوع "تقييم مشاركة المرأة الارترية في النضال الارتري"

وظلت المرأة الارترية تعاني من نظام الجبهة الشعبية في كل مراحلها المختلفة سواء كانت بنتا في مقتبل العمر ومراحل الدراسة تمني نفسها بمستقبل تعليمي واجتماعي مستقر، أو كانت امرأة أما لأبناء أو أما لشهداء أو أما لأبناء شهيد ولكل من هؤلاء النسوة قصة تختلف في تفاصيلها عن الأخرى ، لكنهن يشتركن في المعاناة ، ودعوني أتعرض لحكاية المرأة الأم العجوز بصفة عامة ، كتلك التي أفنت نفسها في خدمة الثورة إبان مرحلة النضال المسلح دون أن تنحاز لتنظيم على حساب آخر تعد لهم الطعام وتجلب لهم الماء وتؤمن لهم الطريق من خلال استطلاعها الذي غالبا ما يلقي له العدو بالا ، بل وتدفع بأبنائها إلى ساحات الوغى ومعارك الشرف فاستشهد بعضهم في الحربين الأولى والثانية ، وفقد بعضهم الآخر وهو يحاول النجاة من جحيم الطاغية "أفورقي" وكان نصيب بعضهم الأسر بيد زبانية النظام ، وهي تعاني من ذلك كله كافأها النظام بسجن زوجها ورفيق دربها ، وبسجنها هي نفسها إن لم يكن زوجها موجودا وذلك بتهمة تهريب ابنها أو بنتها التي هي اليوم بحاجة ماسة إليهم قبل غيرها ، حيث تفرق عنها الأبناء ومات الزوج واستفرد بها النظام فزج بها في السجن حتى تدفع (50)ألف نقفة أو تموت في سجنها من جراء الإهمال والمعاملة القاسية كما كان مصير الكثيرات منهن. فزادت معاناتها ولم تلق من النظام وتنظيمه السلطوي أي اعتبار أو مكافأة، مما جعلها تستعيد ذكرياتها عندما كانت تضحي بكل ما تملك من حلي وجهد وتحتسب أعزاءها من زوج وأبناء وإخوة وآباء، أملا منها في أن يأتي ذلك اليوم الذي تكافأ فيه بالتنمية والاستقرار والحرية ، ولكن وفي ظل النظام الديكتاتوري لم يتحقق من ذلك شيء.