منبر الحـــــوار

 

الاستاذ:-عبدالرحيم خليفة محمود
مدينة:- ملبورن استراليا

2021/07/16

 
 
 

بسم الله الرحمن الرجيم

مداد الدموع - في رثاء المناضلين.
 

 


من أصعب لحظات العمر أن تفقد رفيق نضال تقاسمت معه مرارة الأيام الشبابية وحلاوتها، وعشت معه تجارب العمل الوطني، وعذابات القربة لمدة تزيد عن ستين سنة. تنظر إلى الخلف فتجد العديد من الإخفاقات والانجازات التي تبعثرت أو غيرت اتجاهها أو تجمدت في مكانها، وتجد العديد من الرفاق المناضلين قد قضوا حقيقة أو مجازا. ومنهم من انحرفت بوصلته «ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا».
لقد فقدت في السنوات الماضية رفاق درب وإخوة نضال ودائما احب أن أكون أحدة المؤبنين. وفي كل مرة احاول ان أقف وأرثي رفيق نضال تذكرت هذا البيت:-
قلت ما رثيت ورفاق دربي كثر.
بدأت أكتب شيئا في رثائي قائلا:-
كم مرة وقفت هذا الموقف لأرثي أحبة وأصدقاء مناضلين على الساحة الارترية، الذين ما زالوا يغادروننا الواحد تلو الآخر، حتى نكاد نتلفت من حولنا فلا نجد إلا كثيرا من العتمة يخترقها ضوء شمعة أو شمعتين- واليوم ارثي فقدنا الجلل المرحوم الاستاذ سليمان موسى حاج كما فقدنا باقة من أعظم الأساتذة والقادة الذين بدأوا بالعمل على تنظيم العمل النضالي والتنوع المجتمعي وعلى راسهم المثقفين القلة والشرطة على منهاج "تحرير ارتريا" حينها في المدن الأرترية وحشدهم واعدادهم للنضال من اجل تحرير الارض والانسان، كان آخرهم المرحوم المناضل والقائد الكبير سليمان موسى حاج، كما ارثي اخيه المرحوم عثمان كنتيباي حامد الذي وافته المنية قبل اسبوعين رحمهم الله جميعا، فهم كوكبة وامثلة رائعيين كمناضلين.
وها انا اليوم اقف مصدوما أمام رحيل فارس من فرسان العمل الوطني على الساحة الأرترية. أخي وصديقي ورفيق دربي الاستاذ سليمان موسى حاج الذي وافته المنية قبل الأوان في بلدته المدينة الساحرة - مدينة كرن.
فدعوني أقدم أولا تعازي القلبية لأبناء الشعب الارتري في المهجر والوطن، واسرته على فقد هذا الجلل، الأخ والمناضل والصديق الوفي. فهذا الرحيل غير المتوقع موجع للغاية، لأن المناضل الفقيد جمعتني به مدينة المولد والسنوات الاولى الشبابية وبدايات العمل الوطني الاول، فكنا ظلالا متلازمين وان كان العمل مختلفا تماما في العمل على الساحة الارترية لسنوات، منذ ان عرفت الشهيد حتى تصميمه اختياره للنضال الميداني بالمواجهة العسكرية للعمل الوطني على الساحة الأرترية. ونحن على تواصل يجمعنا الهم المجتمعي والشجن الارتري والشأن الاجتماعي والاسري والبحث عن أقرب الطرق للتعافي من الكارثة المتعددة الجوانب، التي لحقت بشعبنا وما زالت، وبالاخص ملكيات اراضي ومساكن المدينة التي تركها اهلها الى التقرب، وجهد المرحوم المضني لمساعدة الجميع واثباتها ومتابعتها لهم وانا متاكد بأن الكثير من أبناء الجالية الارترية في القربى سيشعر بفقد وغياب بل والفراغ الكبير الذي تركه هذا العملاق، "سليمان". فقد رسخت عودته من الخارج إلى الوطن وتركت خدمة كبيرة للحفاظ على املاك المقتربين واثباتها لهم بل وادارتها، فما بالك عندما يكون رحيل البطل دائما وغيابه سرمديا.
سليمان كان إنسان بسيطا مثل وردة، شهم كحصان جموح، دائم الحركة كنحلة. فلاح مع الفلاحين ومعلم ابن مدينة مع المدنيين ومثقف مع المثقفين- متواضع كأنه ناسك في معبد، صلب عندما يتعلق الأمر بقضية شعبه كأنه الفولاذ. نظيف اليد والقلب والروح. كان أبعد الناس عن طريق الفساد الذي جرف الكثيرين فاغتنوا على حساب معاناة شعبهم، بل عاش وقضى نقيا. يحمل الهم العام ولا يتهرب من مسؤولية ولا يتكل على غيره في إنجازها. لم يغلق نوافذ العقل ولم يكتف بالعمل الميداني، بل جمع الاثنين معا، وهو يحمل الهم العام وينزل به إلى الميدان ليخوض التجربة التنظيمية والسياسية والجماهيرية بكل تفاصيلها.
أكاد أجزم أن سليمان يغيب عن مؤتمرات المدن والقرى. النشاط بالنسبة لسليمان كانه الهواء الذي يتنفس، كالسمكة التي لا تعيش خارج الماء، كان سليمان لا حياة له بعيدا عن شعبه. تسمع صوته صارخا أحيانا وهادئا بسيطا مصغيا في أكثر الأحيان. لا يغضب ولكن ثورة الغضب تظهر على محياه. صوته يرعد أحيانا لشحذ الهمم وتقوية العزائم وتصويب التطرف أو كبح جماح التعصب التنظيمي. لا يكل ولا يمل ولا ييأس ولا يرفع يديه مستسلما أبدا، وكلما حاورته وجدته مستعدا للعطاء. غير متعصب لرأي ولا متهاون في موقف هو مقتنع بسلامته.
وقد وعدت أن لا يسيل مدادي دموعا إلا للمناضلين أمثال سليمان.
بعد ما يسمى بالتحرير، كنت شجاعا يا سليمان عندما حملت همومك وقليلا من الأمتعة وعدت للوطن.
وإذا انطلقت مسيرة كنت أول المشاركين. حيث لم ينحصر نشاطك في السياسة والتنظيم والعمل الاداري، بل تجاوزته إلى حل خلافات الناس والتوسط بين الأصدقاء ومساعدة الشركاء في مساعدة على حل خلافاتهم. كان ديدنك العمل المتواصل وكلمة مستحيل لم تجد لها سبيلا إلى قاموسك.
أعرف أنك كنت تعشق النضال والفداء خاصة في الإطلالات الأولى، واتذكر حينها، كيف انك عند ما تجد خبرا ولو كان بسيطا عن ميدان الثورة، تتصل على زميلك في العمل النضالي "محمود جاقوت" رحمه الله، وتقول له من بعيد على الهاتف:- "امصاكا هليكو، لخبر لكنتيرتشي طرقا كهلا"!! وكذا، صديقك المناضل على محمد صالح اطال الله في عمره، مع الصحة والتقوى. واتذكر ايضا بعد التحاقك كيف انكم رفعتم مقام الثورة المجديدة بقيادة البطل *عواتي* ورفاقه، واتذكر ايضا كيف اسستم ولاول مرة بقيادة الجنرال "عمر ازاز"' المكتب الامني للثورة براسة المناضل "صالح حيوتي" مد الله في عمره، والتخطيط وتدريب الفدئيين على المدن وكانت مدين كرن ومدينة "وهران" اغردات المدن الرءيسية للعمليات حينها، ومع ذلك يتشدق المزايدون بمحاولة تغير وجه التاريخ الناصع.
لك مني يا رفيق العمر والدرب باقة من الحب والإخلاص التي لا تنضب مع الأيام، والحزن والاسى، انك حقا، شهيدا كنت تمشي على الارض جاهدا لخدمة المجتمع فلك الرحمة والمغفرة، ونور قبرك، ولذويك وأصدقائك ورفاقك والوطن الصبر والسلوان.
الاستاذ:- عبدالرحيم خليفة محمود
مدينة:- ملبورن استراليا